الرحَّالون من المغاربة د. عبد الله التوراتي

النشر الإلكتروني باعتماد المعهد

تراثنا

مقالات تراثية

الرحَّالون من المغاربة

ذِكْرُ عِدَّتهم وبيانُ أسمائهم

ممَّا قيَّده الحافظ أبو بكر بن العربي

وتَمَّمَه تلميذه أبو محمَّد الأَشِيرِي

د. عبد الله التَّوْرَاتِي

توطئة:

لم تتهيَّأ الرحلة لكثيرين من أعلام المغرب، لأسباب عديدة، كان من أظهرها صعوبة الطريق، وبُعد الشقة، وخوف السَّابلة على أنفسهم وأموالهم، حتى ذهب بعض علمائنا من أئمة الأندلس إلى سقوط الحج عن المغاربة؛ لما بلغهم من الأهوال التي نقلها إليهم الرحَّالون النافرون.

ومن الرحَّالين الجوَّالين في بلاد المشرق الحافظ الكبير أبو بكر بن العربي المعافري، (المتوفى سنة 543هـ)، ودامت رِحلته عشر سنوات، وقيَّدها في كتاب وسيع ما يزال محجوبًا عنَّا، وهو «ترتيب الرحلة للترغيب في الملَّة»، وقد عاين في أسفاره وتنقلاته الكثير من المغاربة المجاورين، وجالس بعضهم، وأفاد من آخرين، وشارك جماعة منهم في مجالس السماع والإفادة.

كلامُ ابن العربي في الرحَّالين من المغاربة:

وذكر ابن العربي في كتابه «سراج المريدين» بعض هؤلاء الرحَّالين، ممَّن سبقوه إلى الرحلة، وكان لهم وَقع كبير على رُقي العلم وارتفاعه ببلاد الأندلس، قال -رحمه الله-: «والنَّافِرُونَ الرَّحَّالُونَ المُنْذِرُونَ المُبَلِّغُونَ كثير، وقد رتَّبهم علماء الحديث، وممَّن كان بهذه الصفة في المغرب جماعةٌ نحو المائة، من أَجَلِّهم بَقِيُّ بن مَخْلَدٍ، ومحمَّد بن وضَّاح، أدخلَا المغرب ما لم يُدْخِلْ أحدٌ قبلهما من العلم والفوائد الدينية، والفقه العظيم والمعرفة الجمَّة.

وعبدُ الملك بن حبيب أدخل من المسائل المدنيَّة ما لم يُدخله أحدٌ قبله ولا بعده، عالمٌ بها، مُتَأَصِّلٌ فيها، مُتَحَقِّقٌ بجُملتها وتفاصيلها، فَحْلٌ من فحولها، إذا تكلَّم فيها فاستمع لما يُوحَى منها، وإذا تكلَّم في الحديث أو في شيء سواها فأَعْرِضْ عنه؛ فإنه لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، على رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لا سهل فيُرتقى، ولا سَمِين فيُنتقى.

وممَّن أدخل العلم إليه وجلبه حتى أوقفه عليه أبو علي القالي، فإنه ملأها عربيَّة، وأفادها منها ما لم يَدْخُلْ في حساب.

وممَّن رحل وخاب، فلم يجلب لنفسه عِلْمًا ولا أفاد شيئًا نَفَرٌ يَعُدُّهُمُ الناس بالخناصر، وحقُّهم أن يُدفعوا بالمخاصر، تعرفونهم بسيماهم»[1].

وهذا النص دَالٌّ على ما نحن بسبيله، محتاج إلى فَسْرٍ وتجلية، قد ذكرتُ بعض ذلك في طُرَرِي على «سراج المريدين»[2].

تتميمُ أبي محمَّد الأَشِيرِي:

ويعنيني هنا ذِكْرُ نَصٍّ للإمام أبي محمَّد الأَشِيرِي (المتوفى سنة 561هـ) في التَّقفية والتتلية لكلام ابن العربي، فقد تتبَّع بعض هؤلاء الرحَّالين، وانتهى إلى ما قيَّده على سبيل الجملة لا التفصيل، وفيه سَرْدٌ لأعيانهم، وحَصْرٌ لجِلَّتِهم، وبعضهم من طبقة الإمام أبي بكر بن العربي، وطبقة تلاميذه الأعلام.

قال أبو محمَّد -رحمه الله-: «وممَّن رحل من أهل المغرب ممَّن لم يذكره الإمام القاضي ابنُ العربي -رضي الله عنه-، وإنما أشار إليهم، وكان ذكرهم فائدة يُفِيدُناها لو ذَكَرَهُمْ، نذكرهم نحن؛ لنُتَمِّمَ ما بدأ به من الفائدة؛ جماعة مشاهير، علماء بكل فَنٍّ من علوم الشريعة، وما يتعلَّق بها من علوم اللغة والعربية والغريب، وغير ذلك، قد ذكرهم خالد بن سعيد القرطبي، والكاتب أبو عبد الملك بن عبد البر، وأبو الوليد بن الفرضي، وأبو سعيد بن يونس المصري، وغيرهم؛ في تواريخهم في علماء الأندلس والمغرب.

منهم: يحيى بن يحيى الليثي؛

وزياد بن عبد الرحمن شَبطُون؛

ويحيى بن إبراهيم بن مُزَين؛

وعيسى بن دينار؛

وابنه أبان بن عيسى؛

وقاسم بن أصبغ؛

ومحمَّد بن عبد الملك بن أيمن؛

ومحمَّد بن عبد السَّلام الخُشَني؛

وطاهر بن عبد العزيز؛

وأخوه أسلم بن عبد العزيز؛

وأحمد بن خالد؛

ومحمَّد بن معاوية القُرَشِي؛

وسعيد بن عثمان الأَعْناقي؛

وعبد الله بن عبد المؤمن؛

ومحمَّد بن عبد الله بن مَسَرَّةَ، المعروف بالجَبَلِي؛

ويحيى بن مالك بن عائذ؛

وعبد الله بن إبراهيم الأَصِيلي؛

وعبد الله بن محمَّد بن قاسم بن حَزم الثَّغْرِي؛

وثابت بن حزم العوفي السَّرَقُسْطِي؛

وابنه قاسم بن ثابت؛

وأبو بكر محمَّد بن مَوْهَب القَبْرِي؛

وأبو الوليد بن الفَرَضِي؛

وأبو الوليد سليمان بن خَلَف الباجي؛

وأبو العباس أحمد بن عمر العُذْرِي؛

وأبو عمر بن عبد البر النَّمَرِي، وأبو محمَّد علي بن أحمد بن حزم، وهذان وإن لم يَرْحَلَا إلى المشرق ولا تجاوزَا البحر فقد رَحَلَا في أقطار صُقْعِ الأندلس؛ إمامان عظيمان في كل نوع من العلوم الدينية؛

وعبد الله بن سعيد الشَّنتجِيلي؛

وغير هؤلاء ممَّن يطول ذِكْرُهم.

ومن آخرهم ممَّن رَحل ورُحل إليه وأصبح دعامة في العلم يُعتمد عليه الشيخُ أبو علي الحافظ الغسَّاني، والقاضي الشهيد أبو علي الصَّدَفِي.

ومن شيوخنا:

الشيخ أبو جعفر بن غَزْلون الأموي؛

وأبو الحسن بن مَوهب الجُذامي؛

وأبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن الدبَّاغ؛

والقاضي أبو الفضل عياض بن موسى؛

والإمام القاضي أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن العربي المعافري؛ شيخُنا، مؤلف هذا الكتاب، وهو من أقدمهم رِحلة، وآخرهم موتًا، به خُتم الرحَّالون من المغرب رحلة وموتًا، توفي -رحمه الله- قريبًا من سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وكان موته وموت القاضي أبي الفضل عياض متقاربًا، في أيام الفتنة المغربية، غَرِيبَيْنِ مُجْلَيَيْنِ عن أوطانهما وأهليهما، رحمهما الله ورضي عنهما وعن أئمة المسلمين»[3].

وفي هذا النص الجليل فوائد عظيمة، في ذِكر بعض الرحَّالين، ممَّن لم يُذكروا في كتاب، وجمعٌ للمتفرق منهم، وشهادةٌ في حق أئمة كبار، وهو على صغره مشحون نوادر، ويكفيه أنه من النصوص القليلة التي بلغتنا من تراث الإمام أبي محمَّد الأَشِيري.

خاتمة:

هذا ما تيسَّر كَتْبُه في هذه العجالة، وهذا ما ظهر لي في ما يتعلق بهذا التقييد النفيس، والله الموفق، والحمدُ لله رب العالمين.

 

***

 

[1]  سراج المريدين: (4/398).

[2]  سراج المريدين: (4/398).

[3]  سراج المريدين: (4/398-399)، تعليق رقم (4).