قَبَسٌ من المخطوط المشرقي بسوس المغرب بقلم: محمد بن محمد علوان

النشر الإلكتروني باعتماد المعهد

مقالات تراثية

تراثنا

turathuna@malecso.org

قَبَسٌ من المخطوط المشرقي بسوس المغرب

بقلم: محمد بن محمد علوان

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

  • توطئة:

يعد الصُّقع السّوسي من المناطق المغربية الغنية بالخزائن العلمية، التي تحتفظ بكمٍّ هائلٍ من التراث الإسلامي المخطوط، على اختلاف نوعه بين المخطوط المغربي، والأندلسي، والمشرقي، و مثل هذا لا يُستغرب وجودُه بسوس، فهي حاضرةٌ من حواضر المغرب الذي جمع في أرضه -عبر التاريخ- بين حضارات مختلفة ومتنوعة.

و اللافتُ للنظر في الخزائن السوسية من خلال زياراتي الميدانية لها خاصةً الخاصة منها = وفرةُ المخطوط المغربي فيها بجميع أصنافه، ويقابله ندرة في المخطوط الأندلسي والمشرقي؛ وهذا الأخير أُصادفه بين الفينة والأخرى، مما يثير تساؤلات عدة، و قد يفضي عند بعضهم استغراب وجودها في هذه المنطقة النائية عن الشرق.

ولمثل هذا وذاك أشار الأستاذ عمر أفا قائلًا: «وقفتُ في خزانات سوسية مختلفة على مخطوطات مصرية وسورية وتركية وإيرانية، بل وعلى مخطوطات من الهند أيضا، اشتراها الحُجَّاجُ تبرُّكًا، إما لقراءتها والاحتفاظ بها، وإما لتقديمها هديةً لكبار العلماء بسوس، أو تحبيسها على بعض المدارس والزوايا»[1].

لهذا الاعتبار قصدتُ إلى لفْتِ الأنظار- لهذا الموضوع- بهذه المقالة؛ ذاكرًا بعضَ المخطوطات المشرقية التي وقفتُ عليها؛ عِلْمًا بأن العلامة محمد المختار السوسي-رحمه الله- في كتابه “خلال جزولة” قد أتى على ذكر ما وقف عليه ورآه في خزائن المنطقة، وبعض ما ذَكَرَه–رحمه الله- يُعدُّ من نوادر المخطوطات النَّفيسة.

وقصدنا بالمخطوط المشرقي: ما نسخ بالبلاد المشرقية بغض النَّظر عن أصل مصنفه، فقد يكون مصنفه مغربيًّا، كمثال “كنز الأسرار ولواقح الأفكار” الذي سيأتي ذكره، ولم أذكر ما كان أصل مصنفه مشرقيًّا، ونُسخ بخط مغربي، وجُلب من الشرق، مثال ذلك:

نسخة من شرح الشمائل للإمام المناوي

حيث ورد قيد الشراء عليها : «الحمد لله تعالى كثيرًا، والصلاة على نبيه تَتْرَى، فهذا شرح الشمائل للشيخ المناوي –رحمه الله ورضي عنه- اشتريتُه بمصر عام حِجَّتي بمِثْقَالين غيرِ رُبْعٍ، عبد ربه: أحمد بن أبي القاسم الكرسيفي (1166هـ)».

وفي ما يأتي نماذج من المخطوطات المشرقية التي وقفت عليها بسوس:

1- نسخة من «صحيح مسلم»؛ للإمام مسلم بن الحجاج أبي الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261هـ)، محفوظة في الخزانة الأزاريفية، أصلها من مجلدين، بقي منها المجلد الأول، وقد تم تقسيمه لجزأين بعد تجليده حديثًا.

  • عدد لوحاته: (263)، في كل ورقة: (27) سطرا.
  • عليها رموز المقابلة والتصحيح.
  • غنية ببلاغات السّماع والطرر.
  • عليها تعقيبة.
  • جاء على ورقة العنوان: «الأول من كتاب الصحيح؛ تأليف الإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.

سند النسخة:

رواية الفقيه إبراهيم بن محمد بن سفيان عنه، رواية أبي أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه عنه، رواية أبي الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر عنه، رواية أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي عنه، رواية أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن الحراني وأبي الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي كلاهما عنه، رواية الإمام الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي عنهما».

  • وتحته قيد تحبيس مشطوب، وأعيد كتابته مرة أخرى في آخر المجلد، وجاء فيه: «أوقف هذا الكتاب صحيح مسلم، الجزء الأول والثاني هذا من قبل الشيخ أحمد الشاوي المغربي على طلبة العلم في جامع الشريف الأموي، وجعل ناظرًا عليهما مولانا الشيخ كامل أفندي بن المرحوم العلَّامة الشيخ أحمد أفندي عطاء وزاده رحمه الله».
  • وجاء في آخر الجزء الثاني «آخر المجلد الأول، ويتلوه في الثاني -إن شاء الله تعالى- باب اللِّعان».
  • مكتوب بخط العلامة الإمام الحافظ ضياء الدين؛ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي (ت643هـ)، وهذا وجهُ نفاستِها.
  • كما اشتملت على خطوط عدد من الحفاظ والمحدثين من القرن السابع والثامن في بلاغات سماعها، وفي طبقات الشيوخ المثبتة في آخرها.

ومن نماذج السماعات:

  • بلاغ سماع بقراءة الإمام محمد بن الصفار(ت646هـ).
  • بلاغ سماع للإمام محي الدين المقريزي (ت732هـ) في سنة (717هـ).
  • بلاغ سماع بقراءة ابن طغربل (ت 737هـ) بجامع الصالحية سنة (730هـ).
  • بلاغ سماع بقراءة الإمام فخر الدين ابن البعلبكي (ت:732هـ) بالمدرسة العادلية سنة (731هـ).
  • بلاغ سماع بقراءة الإمام محمد بن القوبع التونسي الْمَالِكِي (ت: 738هـ).
  • بلاغ سماع بقراءة الإمام أحمد بن سعيد السيواسي (ت: 749هـ) على العلامة السلاوي (ت:749هـ) بالمدرسة النورية سنة (747هـ).

ومن نماذج الخطوط في طبقات السماع:

  • سماع بخط العلامة أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي(ت:668هـ)، ثم يليه سماع بخط العلامة موسى بن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم الشقراوي (ت: 702هـ) في شهر صفر سنة (665هـ).
  • سماعات بخط العلامة أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي (ت776هـ) في سنة (749هـ) و(751هـ) و(752هـ).
  • سماع على الإمام شمس الدين أبي محمد عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشافعي الأبهري (ت:690هـ)، في الخانقاه الأسدية في رمضان سنة (683هـ)، والسماع بخط الإمام المحدث أبي القاسم عبد الرحمن بن حسن بن يحيى بن محمد القيسي السبتي الوجيه (ت: 686هـ).

2- نسخة من “صحيح البخاري” في مجلد متوسط، بخط مشرقي، مضبوطة بالشكل، وعليها تعقيبة، منسوخة في شوال سنة خمس وستين وثمانمائة، وعليها تقييد مقابلة سنة(868هـ).

3- نسخة من كتاب “مختصر في أصول الفقه” للعلامة أبي عمرو؛ عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، جمال الدين ابن الحاجب (646هـ)، في مجلد متوسط، بخط مشرقي، جاء في آخره: «وافق الفراغ من نسخه يوم الجمعة-وهو يوم التروية- من شهر ذي الحجة عام خمسة وستين وسبعمائة، من نسخة قوبلت على نسخة المُصنِّف بخط يده الفانية، عرفنا الله بركته، ونفعنا بعلمه. آمين، والحمد لله رب العالمين، على يد الفقير أحمد بن محمد بن عمر بن مهدي بالقاهرة المحروسة».

4- نسخة من “التنبيه في الفقه الشافعي” للإمام أبي اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476هـ)، في مجلد متوسط، مخروم الأول، بخط مشرقي، نسخ في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة 11 من شهر ربيع الثاني سنة(883هـ).

5- قطعة من نسخة «عيون الأثر»؛ للإمام ابن سيد الناس فتح الدين اليَعْمُرِي (ت: 734هـ)، محفوظة بالخزانة الأزاريفية، خطها مشرقي، مسطرتها (23) سطرًا، عليها تعقيبة، مبتورة الأول والأخير، عدد لوحاتها (30)[2]، تمثل قطعة من الجزء العاشر والحادي عشر، وتاريخ نسخها كما جاء في الورقة الأخيرة من الجزء العاشر «آخر العاشر ولله الحمد، يتلوه في الحادي عشر “ثم زينب بنت جحش”، علقه لنفسه العبد الفقير المعترف بالتقصير خليل بن محمد الحنفي عامله الله بلطفه الخفي، وكان فراغه يوم الأربعاء الخامس عشر من المحرم عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة».

ثم تلاه تقيد بتوقيع الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) يشهد بمطالعته لها؛ جاء فيه «أنهاه مطالعة أحمد بن علي الشافعي لطف الله به آمين […] من سنة (792هـ).

والناسخ في ما يبدو لي  من تلاميذ الإمام ابن سيد الناس اليعمري لأنه حلاه في صفحة العنوان بقوله: «جمع شيخنا…».

6- نسخة من كتاب «الأذكار» ؛للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ)، كاملة بخط مشرقي، وناسخها: ابن عبد الوهاب الصيرفي الشافعي في 3شوال سنة (778هـ)، نسخت من نسخة قوبلت على الإمام ابن العطار (ت:724هـ) تلميذ المؤلف، والنسخة المنقول منها قوبلت على المصنف.

وعليها قيد قراءة على الإمام عيسى بن علي الأخنائي في مجالس آخرها شهر صفر سنة(904هـ)، والسماع بخطه.

7- نسخة من كتاب “الفتوحات المكية” للشيخ محيي الدين بن عربي (ت638هـ)، مبتورة الأول والأخير، بخط مشرقي جميل، في مجلد كبير ضخم، مسطرتها(33)، عليها تعقيبة، وفصولها مكتوبة باللون الأحمر، وعليها قيود المقابلة، و قيد شراء من مدينة مراكش.

8- نسخة من كتاب ” المواهب اللدنية بالمنح المحمدية” للإمام أبي العباس، شهاب الدين القسطلاني (ت923هـ)، في مجلدين كبيرين، والنسخة تامة، بخط مشرقي دقيق مليح، مسطرتها (31)، عليها تعقيبة، وفصولها مكتوبة باللون الأحمر، وجاء في قيد نسخها: «وكان الفراغ من هذه النسخة المباركة نهار الاثنين خامس عشر شهر جمادى الثاني أحد شهور سنة ست وستين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم إلى يوم الدين. آمين»، وأشار قبله لتاريخ النسخة المنقول منها أنها نسخت سنة (957هـ)، وبجانبه قيد مقابلة فيه: «الحمد لله، بلغ مقابلة وتصحيحًا حسب الطاقة والامكان على الأم المنسوخ منها بتاريخ 15 رجب الحرام من سنة1066من الهجرية النبوية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام».

9- نسخة من كتاب “كنز الأسرار ولواقح الأفكار” للإمام أبي عبد الله محمد بن سعيد بن عمر بن سعيد الصنهاجي، القاضي بأزمور، المعروف: بابن أمقشاب، في مجلد متوسط، والنسخة تامة، في (276) لوحة، بخط مشرقي جميل، عليها تعقيبة، والفصول والبحوث مكتوبة باللّون الأحمر، مسطرتها (17)، وجاء في قيد نسخها: «وكان الفراغ من كتابته في الثالث والعشرين من شهر جمادي الثاني من شهور سنة أربع بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام…».

10- مجموع من الحجم الصغير في علم التوقيت به:

  • “رسالة في الربع الكامل” مبتورة الأول، مسطرتها (21)، عدد لوحاتها (25)، بخط مشرقي، عليها تعقيبة، والأبواب والفصول ميّزت فيها باللّون الأحمر، تبتدئ بقوله: «..و الله أسأل وإليه أرغب أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، وأن يعصمني من الزيع والزلل، ويوفقني لصالح العمل، إنه على كل شيئ قدير، وأعلم أن معظم الكلام في هذه الرسالة إنما هو على الربع الكامل وهو الذي…» وينتهي بقوله: « فإن الشهر المكتوب بالأسود عدد أيامه “لا”، والأحمر “لــ” إلا أشباط فإنه “كح” في السبيطة، و”كط” في الكسبية، والحالة هذه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وأما الجدول فإنه حركة درجة الشمس عليه وبطل حكمه، والله أعلم. تم».
  • “شرح رسالة الجيب” للشيخ الإمام العالم عبد الرحمن التاجوري (ت999هـ)، مبتور الأخير، مسطرتها (15)، بخط مشرقي، عليها تعقيبة، عدد لوحاتها (47)، تبتدئ بقوله: «…وبعد: فإن الشيخ الإمام العالم العلامة بدر الدين المارديني -تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنته- وضع رسالة في العمل بالربع المجيب مشتملة على مقدمة وعشرين بابا، فيها عسر على بعض المبتدئين، فرأيت أن أكتب..»، وتنتهي بقوله: «إن كان الكوكب في جهة المغرب، ويلصق الخيط بالأسفل بالحائط في خطوط فصل الدائر، وتغمض أحدى عينيك حتى».

11- كتب للإمام عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي(ت911هـ)، منها:

  • نسخة من كتاب “الإتقان في علوم القرآن” ، مبتورة الأخير، مسطرتها (31)، بخط مشرقي، عليها تعقيبة، عدد لوحاتها (60)، ميزت فيها الأبواب والفصول باللّون الأحمر، عليها قيد شراء من مراكش.
  • -نسخة من كتاب “المحاضرات والمحاورات”، مبتورة الأول والأخير، عليها تعقيبة، مسطرتها (21)، في مجلدة من الحجم المتوسط.
  • – نسخة من كتاب ” مقامات سنية أولها المقامة الوردية” -مقامات السيوطي-، نسخة تامة، بخط مشرقي، من الحجم المتوسط، مسطرتها (13)، عليها تعقيبة، عدد لوحاتها (56).

12- نسخة من كتاب “إحياء علوم الدين”، للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت505هـ)، مسطرتها (23)، بخط مشرقي، عليها تعقيبة، ميزت فيها الفصول باللون الأحمر، في مجلدة متوسطة ضخمة، تتجاوز عدد لوحاتها (200). تمثل الربع الأول منه، حيث جاء في آخره: «نجز الربع الأول من كتاب إحياء علوم الدين بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، على يد كاتبه أفقر العباد وأضعف الطلاب: محمد بن المرحومي علي الجندي غفر الله له ولوالديه والمسلمين أجمعين. آمين».

 

  • الخاتمة:

فهذا ما تيسَّر ذكرُه في هذه العجالة، وحسبي إبرازُ ناحيةٍ من التراث السوسي المخطوط، وكشفُ جانبٍ من جوانب شخصية العالم السّوسي، الذي تنوعت مصادرُ تحصيله العلمي، وشاهدُ ذلك وُجُودُ هذه المخطوطاتِ المشرقيةِ في مكتبته، وهو أيضًا دليلُ وَلَعِه باقتناء الكتاب، واهتبالِه بامتلاكِه؛ طلبًا للعلم والمعرفة، رغم بعد دياره عن المراكز العلمية المشتهرة، والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.

**

-أعمال ندوة “التراث الإسلامي في سوس”(ص:92).[1]

– لم أتمكن من رؤية باقي الخروم الموجود بالخزانة، فلعلنا نجد تتمة الكتاب فيها.[2]