جهود الشيخ أمين أحسن الإصلاحي (ت1997م) في تفسير القرآن الكريم: (تدبر القرآن) مثالًا… د. عبد الرحيم الإسماعيلي

النشر الرقمي باعتماد المعهد

تراثنا

turathuna@malecso.org

السلسلة الثقافية (21)

جهود الشيخ أمين أحسن الإصلاحي (ت1997م) في تفسير القرآن الكريم: (تدبر القرآن) مثالًا

     عبد الرحيم الإسماعيلي

أستاذ التفسير وعلوم القرٱن بالتعليم العتيق

الخلاصة:

حاولت في هذه المقالة رصد بعض جهود المدرسة الهندية المعاصرة في تفسير كتاب الله عز وجل، للوقوف على أهم ما ألف في علم التفسير بشبه القارة الهندية، واتجاهاته. وقد اخترت متنًا هامًّا للدراسة والبحث ألفه صاحبه بالأردية، وترجم إلى اللغة الإنجليزية؛ لبيان منهجه، ومقاصده، وبواعث التأليف التي دفعته إلى إنجاز هذا السفر العظيم إنه: تفسير الشيخ أمين أحسن الإصلاحي (ت1997م) الموسوم بـ: تدبر القرآن، وهو تفسير بناه على تصور دقيق استقاه من شيخه وشيخ المفسرين في شبه القارة الهندية المجدد حميد الدين الفراهي (ت1931هـ) صاحب التآليف الفريدة، والتصانيف البديعة، الذي يمكن عد نظراته امتدادًا لجهود مدرسة الراغب الأصفهاني (ت503هـ) في العناية بالمفردة القرآنية.

الكلمات المفتاحية: المدرسة الهندية المعاصرة في التفسير، تدبر القرآن، التفسير، الشيخ أمين أحسن الإصلاحي، مقاصد القرآن، عمود السورة.

:summary

        This article has been attempted to shed light on the works of the modern Indian school in the explanation of the holy Quran. This explanation is one of the main contributions that have been written in semi- Indian continent about the science of the Quran explanation and its trends .I have chosen an important book so as to conduct this research. It was written in Urdu language. Then, it was translated into English language. The objective of this article lies in showing the methodology of the book, its purposes and the rationale behind the birth of this great work. The book is entitled “Contemplation of the Quran” written by Amine Ahsan Eleslahi (died in 1997). This book is an explanation of the Quran that has been written based on an accurate perception which was derived from his teacher and the teacher of commentators of the Quran In semi- Indian continent. The latter is a reformer scholar, whose name is Hamid Elfarahi( died in 1931). He has unique writings. His view is a continuation of the work done by the school of  Raghib Asfahani ( died in 503) which was devoted to the study of the Quran’s lexical items .

Key Words:  Modern Indian School. Explanation of the holy Quran. Amine Ahsan Eleslahi. Contemplation of the Quran.

 

 

-1 –

مقدمة

الصلة بين تفاسير المشرق والغرب الإسلامي وتفاسير بلاد الهند

  يروي لنا مكي بن أبي طالب القيسي (ت437هـ) أن رحلة الصحابة من المشرق إلى المغرب تعود إلى ما شهده المشرق من فتن في بغداد وفارس، مما أدى إلى تفرق العلماء في الأمصار، وأصبح للعلم مراكز جديدة؛ فمنهم من اتجه نحو المشرق إلى بلاد العجم كخراسان، ومنهم من توجَّه تلقاء الغرب إلى الشام ومصر والمغرب والأندلس[1].

وقد كان من نتائج هذه الرحلة أن انتقلت تفاسير مشرقية على اختلاف اتجاهاتها إلى بلاد المغرب الإسلامي، وعلى رأسها تفسير عبد الله ابن عباس (ت68هـ)، وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت182هـ)، وتفسير عبد الله بن نافع (ت186هـ)، وتفسير أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت207هـ)، وتفسير معمر بن المثنى (ت210هـ)، وتفسير الزجاج (ت211هـ)، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني (ت211هـ)، وتفسير أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) وغيرها كثير. ثم تطور علم التفسير، ونضجت مباحثه وقضاياه، واستقلت مدارسه، فصرنا نبحث عن ملامح مدارس التفسير بالعالم الإسلامي فتوصلنا إلى أن علم التفسير بلغ إلى بلاد الهند المترامية الأطراف؛ فسجلنا جملة من التفاسير فاقت جهود علماء المشرق والمغرب لاهتمامها بنظم القرآن الكريم، وهو أدق وأصعب المباحث المعنية بالقرآن الكريم، والبحث عن الخيوط الناظمة لمعانيه في الآي والسور. فما هي هاته التفاسير التي احتفظت بها المكتبة القرآنية الهندية على وجه التمثيل؟ وبأي لغة كتبت هاته التفاسير؟

إن جهود علماء الهند في تفسير الكتاب العزيز بالعربية وبلغات الهند المختلفة، وخاصة الأردية تأليفا، وتفسيرا، وترجمة؛ تتصدر أعمال المسيرة العلمية الإسلامية في الهند، ولها أهمية بالغة لموقع المسلمين السياسي، والثقافي، والحضاري طيلة قرون، إذ تعود الجسور الأولى بالعالم الإسلامي إلى ظهور أول أسطول مسلم في مياه الهند في خلافة عمر بن الخطاب (ت23)، ووصول المهلب بن أبي صفراء الأزدي عام (ت44هـ) إلى بلاد السند ولاهور.

وبدأ الاهتمام بكتاب الله العزيز في شبه القارة الهندية دراسةً، وفهمًا، وتفسيرًا، وتعليمًا منذ دخول الإسلام، فنشطت الحلقات القرآنية، وظهرت مدارس متعددة لتحفيظ القرآن الكريم، ثم انتقل هذا الجوُّ العام إلى قراءة كتب التفسير ومطالعتها، وكان من بين المصادر التي اعتكف عليها أهل هذا القطر الإسلامي المتنامي الأطراف: جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) والكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل لجار الله الزمخشري (ت538هـ)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (ت685هـ)، وتفسير الجلالين جلال الدين السيوطي (ت911هـ) وجلال الدين المحلي الشافعي (ت864هـ)، وغيرهم كثير. وكان من ثمر هاته المطالعة ظهور حواشي ومختصرات وتعاليق على هذه المدونات[2].

 

-2-

الإسهامات الأولى لعلم التفسير بشبه القارة الهندية

 من التفاسير التي تزخر بها شبه القارة الهندية بالعربية: غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين الشافعي آبادي القمي النيسابوري (ت850هـ)، وفتح البيان في تفسير القرآن لأمير صديق حسن خان القنوجي (ت1358هـ)، في أربع مجلدات. و تفسير القرآن بكلام الرحمن لشيخ الإسلام أبي الوفاء ثناء الله الهندي الأمرتسري (ت1376م)، والتفسير المظهري للقاضي الباني بتي (ت1225هـ)، يقع في سبع مجلدات طبع مرتين، وأعيد طبعه في عشر مجلدات. وسواطع الإلهام لأبي الفضل الفيضي (ت1004هـ)، وهو تفسير لا مثيل له في العالم الإسلامي حسب علمي، إذ ألَّفه صاحبه باعتماده حروفًا خالية من النقط، وغير ذلك مما كتب العربية[3].

ومن التفاسير التي كتبت بالأردية تبصير الرحمن وتيسير المنان لبعض ما يشير إلى إعجاز القرآن، المشهور بتفسير رحماني، للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي (ت835هـ)، وجامع التفاسير لقطب الدين الدهلوي بن محي الدين الحنفي أحد كبار القضاة بالهند (ت1289هـ)[4]. ويأتي في طليعة هذه التفاسير؛ نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، لعبد الحميد الفراهي (ت1930م)، وهو الشيخ الرئيس الذي ينقل عنه الشيح أمين أحسن الإصلاحي في تفسيره، ومنه استمد الجانب النظامي والمنهجي الذي بنى على أساسه تفسيره: تدبر القرآن.

ومن التفاسير الهندية أيضا، مواهب الرحمن في تفسير القرآن للشيخ أمير علي بن معظم علي الحسيني المليح آبادي ثم اللكنوي أحد العلماء المشهورين في الهند (ت1337هـ) وهو تفسير يصنف ضمن التفسير بالمأثور، يقع في ثلاثين جزءًا باللغة الأردية، ويغلب عليه الجانب الأثري، مع الاعتماد على مصادر إشارية، رغم ما فيه من قضايا فقهية كثيرة.

ومن التفاسير المعاصرة أيضا، أحسن التفاسير للشيخ أحمد حسن الدهلوي (ت1338هـ)، وقد ألفه باللغة الأردية، واعتمد في ترجمة معاني القرآن على ترجمة الشيخ ولي الله الدهلوي، ورفيع الدين الدهلوي، وعبد القادر الدهلوي، وهم ينتمون إلى أسرة واحدة. كما اعتمد على جامع البيان عن تأويل آي القرآن لشيخ المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، والدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي (ت911هـ). فجاء تفسيره تفسيرًا أثريًّا هامًّا يحتاج دراسات علمية وأكاديمية عدة لاستخراج درره وكنوزه. ومن التفاسير أيضا، بيان القرآن لحكيم الأمة أشرف علي بن عبد الحق التهانوي المربي المرشد (ت1362هـ). وهو تفسير يزخر بمباحث هامة جدا من علوم القرآن كأسباب النزول، وعلم المناسبات، ومقاصد الآيات والسور.

ولم تقف جهود علماء القارة الهندية في العناية بكتاب الله عز وجل عند حدود التفسير؛ بل تعدوا ذلك إلى ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره؛ فاهتموا كذلك بتفسير آيات الأحكام، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر:

أحكام القرآن للمفتي محمد شفيع (ت1976هـ)، ومن خصائص منهجه أنه يذكر خلاصة التفسير من تفسير بيان القرآن للتهانوي، إذ يتعرض فيه للمسائل الفقهية تحت عنوان: ”المسائل والمعارف”، مع الوقوف مليًّا عند المناسبات بين الآيات والسور، فيستحضر أوجه الربط والمناسبة بين السور، ولم يتجاوز ذلك إلى تأمل المناسبة بين الآي والحروف وغيرهما. وقد طبع التفسير في ثمانية مجلدات ضخمة متداولة بين الباحثين والدارسين.

ومن التفاسير الهندية أيضا تفهيم القرآن لأبي الأعلى المودودي بن أحمد (ت1979م)، الذي ينتهي نسبه إلى أسرة المودودي.

وكما كانت لكتب التفسير بشبه القارة الهندية قيمة علمية، كانت لبعض مقدمات كتب التفسير ميزة علمية جيدة أيضا، فقد احتفلت بعض المقدمات بقضايا هامة تضاهي مقدمات كتب التفسير المعروفة، كمقدمة ابن عطية الغرناطي الأندلسي (ت542هـ) لتفسيره: المحرر الوجيز، ومقدمة جامع البيان للطبري، ومقدمة أبي حيان (ت745هـ) الأندلسي، لتفسيره البحر المحيط… وغيرهم كثير.

ومن المقدمات التي أغرتني بالدراسة، ورأيتها تحتاج لدراسة علمية مقدمة تفسير الحقاني[5]؛ إذ هي من أنفس المقدمات التي ضمنها أصول التفسير وقواعده، وبعض مباحث علوم القرآن مما جد في عصره، ولم يَفُتْه مناقشة مسائل العقيدة وعلاقتها بالتأويل.

 

-3-

ترجمة الشيخ

أمين أحسن الإصلاحي

  ولد الشيخ أمين أحسن الإصلاحي بقرية بمهور من ضواحي أعظم أجرة في إقليم يوبي بالهند سنة (1904م)، وسط أسرة متدينة معروفة بالعز والشرف في القرية، كانت تعرف قبيلته باسم: راجبوت وكان والده رجلًا فقيرًا فلَّاحًا، عُمِّر طويلًا، حيث فاق عمره التسعين سنة[6].

تلقى تعليمه الابتدائي في قريته الصغيرة، حيث تعلم الكتابة وحفظ القرآن الكريم، ولما بلغ من العمر عشر سنوات، التحق بمدرسة الإصلاح ضواحي قريته. فارتبط اسمه بها سنة (1922م). وكان من شيوخه الذين تتلمذ عليهم الشيخ عبد الرحمن النكرامي الذي رباه تربية حسنة قبل تعليمه، وكعادة بعض الدارسين فنادرا ما تجدهم يستصعبون علمًا من العلوم، وهو ما عناه الشيخ الإصلاحي في تعلم الفلسفة والاقتصاد، فأدى ذلك إلى الابتعاد عن علم الميراث والفرائض؛ إذ كان ضعيفًا فيهما حسب شهادته. يقول الشيخ الإصلاحي: ” عندما التحقت بمدرسة الإصلاح، لم أكن مجتهدًا في المطالعة والدراسة، ولكن بسبب الشيخ عبد الرحمن النكرامي أخذت أجتهد في التعلم؛ لا سيما في اللغة العربية والخطابة. ولكن الفلسفة والاقتصاد لم تكن من المواد المدرسية المحبوبة لأجل ذلك كنت ضعيفًا في مادة علم الميراث والفرائض”[7].

وقد اشتهر الإصلاحي بالخطابة في هذا الزمن، ويحكى عن الشيخ محمد علي جوهر أنه قام بزيارة مدرسة الإصلاح، فكُلِّف الشيخ الإصلاحي بإلقاء الخطبة من قبل مسؤولي المدرسة نيابة عن طلاب المدرسة أمام الضيف الكريم، ففرح الشيخ محمد علي جوهر بمستوى الإصلاحي وبراعته في الخطابة[8].

 

-4-

الجذور والامتدادات للنبوغ الفكري

 بدأ الشيخ أمين أحسن الإصلاحي الكتابة حول مواضيع علمية تخص قضايا الناس، وأحوالهم، وما له علاقة بالتعريف بالإسلام، وهو ما زال طالبا في المراحل الأولى من التلقي. وعندما تخرج سنة (1922م)، احترف الصحافة والكتابة فتمكن من لغات مختلفة إذ عمل سنتين مترجمًا في جريدة في إقليم يوبي. وكان من الأعمال التي ترجمها إلى الأردية: تاريخ الإسلام لمحيى الدين الخياط، فجاء في ثلاثة مجلدات[9]. ثم عين مدير لمجلة أسبوعية للأطفال.

بعد قضاء فترة لا بأس بها في الكتابة والترجمة واحتراف الصحافة؛ تولى الإصلاحي التدريس في مدرسة الإصلاح سنة (1925م)، فدَرَّس فيها الأدب العربي، وعلم التفسير، وعلم التاريخ وغيرها من المواد الدراسية، ومع اشتغاله بالتدريس، بدأ يتلقى علم التفسير على يد الأستاذ عبد الحميد الفراهي المعروف بـ(حميد الدين) فلازمه حتى توفي الفراهي- رحمه الله- سنة (1349هـ-1931م).

وفي هذا السياق العام قام الإصلاحي بتأسيس مجمع علمي في مدرسة الإصلاحي، وكان غرضه التعريف بكتب شيخه حميد الدين الفراهي المخطوطة. فكان من ذلك أن اعترف ببعض من الواجب اتجاه شيخه الفراهي.

 

-5-

تفسير الشيخ أمين أحسن الإصلاحي: (تدبر القرآن)

 الرؤية والمنهج:

ألف الإصلاحي تفسيره تدبر القرآن باللغة الأردية للجيل الجديد الذي اشتغل بالثقافة الغربية وابتعد عن الدين الإسلامي كتابًا وسنة، وهو الهمُّ الكبير الذي دفع المؤلف إلى خطابه بمنهج يألفه. وتعود إرهاصات التأليف الأولى لتفسيره أيام كان مسجونا. حيث وضع خطته في السجن في باكستان إبان مهاجمة حركة الدعوة الإسلامية في باكستان للقاديانية الكافرة التي تشايع أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، وكان زمام الحركة في أيدي العلماء. وكان بعض أعضاء القاديانية وزيرًا للدولة. فاستغل سلطته وزجَّ بالعلماء في السجن وزعماء الحركة، وكان من بينهم الشيخ أمين أحسن الإصلاحي.

وقد أدى هذا الأثر بالإصلاحي إلى الاستقلال من الجماعة التي كان يترأسها المودودي. نظرًا لما رآه من اختلاط بين العمل السياسي والعمل الدعوي. وتأسف المودودي كثيرًا على استقلاليته وفاوضه؛ ليعود إلى الحركة الدعوية، لكن الإصلاحي ظلَّ متشبثًا برأيه وكتب للشيخ المودودي مقالا جاء فيه: ” أنا عرفتك وأنت عرفتني هذا فراق بينيي وبينك … ولن نلتقي أبدا”[10].

إن تأليف تفسير القرآن الموسوم بـ: تدبر القرآن[11] للشيخ أمين أحسن الإصلاحي يأتي كتتويج لمسار المؤلف نفسه حين كتب عدة مقالات في مجلة الإصلاح التي كان يشرف عليها. وهي المقالات نفسها ألقاها في عدة مجالس علمية في علم أصول التفسير وقواعده من خلال مصنفات شيخه عبد الحميد الفراهي. ثم طبعت هاته الأعمال في ما بعد تحت عنوان: مبادئ تدبر القرآن. وقد تردد كثيرًا في جعلها مقدمة لتفسيره: تدبر القرآن، غير أنه غيَّر رأيه وكتب مقدمة جامعة لتفسيره، سطَّر فيها معالم منهجه العام في التفسير[12].

وكان للرجل مشروع إصلاحي حضاري كبير يخدم العالم الإسلامي عمومًا والقارة الهندية خصوصًا المتمثل في العناية بكتاب الله عز وجل قراءة، وتدريسا، وتأليفا، وتفسيرا.

 

-6-

منهج الشيخ أمين الإصلاحي في تفسيره تدبر القرآن

  لقد رسم المؤلف منهجًا عامًّا في مقدمة تفسيره تدبر القرآن سار عليه في تضاعيف التفسير، وذلك من خلال الاستعانة بأدوات منهجية دقيقة، ستعيننا على تبين خصائص الخلفية المعرفية والمنهجية التي اعتمدها الرجل في تفسير كتاب الله عز وجل.

وقد حدد المؤلف الأدوات المنهجية في ثلاثة أسس:

أولا: فهم القرآن.

ثانيا: تدبر القرآن.

ثالثا: تيسير القرآن:

ويمكن اعتبار هاته الأسس ضوابط التفسير الصحيح الذي يعتمد النقل، وقد حدد معالم منهجه في بياني معاني كلام الله عز وجل من خلال الكشف عن الطرق المتنوعة التي يحب احترامها في التفسير، نحو: طريقة المفسرين، وطريقة المحدثين، وطريقة المتكلمين.

-7-

موارد المؤلف في تفسيره

 المتتبع لتفسير الإصلاحي يستطيع أن يستخرج اعتماده على مصادر علمية متنوعة، تشمل علومًا كثيرة، كالتفسير والحديث والعقيدة واللغة، وغير ذلك، فمن التفاسير التي نقل منها كثيرا جامع البيان للطبري، إذ رجع إليه كثيرا وأشاد به[13]، والكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري، استفاد منه في مجال النحو والبلاغة وتأثر به. ويظهر في تدبر القرآن التأثر الواضح في طريقة التقسيم والعرض والتناول. وقد نص على ذلك في مقدمة تفسيره حيث قال: ”إنني استفدت من تفسير الزمخشري في بيان مسائل النحو والبلاغة، والكشاف من التفاسير التي كنت أطلع عليها منذ صغري ورجعت إليه مرة أخرى عند كتابة هذا التفسير”[14]. وهذا يدل على أن الإصلاحي لم يكن متعصبًا لأهل السنة أو لأهل الاعتزال فقد كان رجلَ العلمِ والحجةِ والدليل، يدور مع الدليل حيث دار، وينازع بالحجة والبرهان.

ومن التفاسير المهمة التي اعتمدها الإصلاحي في تفسيره، مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي(ت606هـ)، وهو تفسير يتجه اتجاها كلاميًّا فلسفيًّا عقليًّا جيدًا، يربي ملكة الاستدلال والنظر عند القارئ، ويمتاز بذكر المناسبات بين السور، كما يستطرد كثيرا في ذكر العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية، وعلم الكلام. ومن الذين تأثروا بهذا التفسير تأثُّرًا واضحًا أمين أحسن الإصلاحي، إذ يقول في مقدمة تفسيره:’ ‘وكان عندي ثلاثة تفاسير منها تفسير الرازي ونجد فيه النكات العلمية وأقوال المتكلمين”[15].

ويصعب الوقوف على نصوص للرازي في تفسير الشيخ الإصلاحي نظرًا لأسلوب الاستفادة من هذا التفسير، وهو أسلوب وطريقة في التفسير لا تختلف عن شيخه الفراهي الذي تأثر به تأثرًا بالغًا، ذلك أنه لا يذكر أسماء المفسرين في تفسيره إلا قليلا[16]. ومن المصادر المهمة جدًّا والتي أثرت في شخصية الإصلاحي وتكوينه العلمي، وكان أسيرا لها مصنفات شيخه عبد الحميد الفراهي كاملة. وفي مقدمتها تفسير نظام الفرقان بالفرقان، ويعد تفسيرا لبعض سور القرآن، وهو مطبوع متداول ركز فيه صاحبه على أصول التفسير انسجامًا مع مشروعه الكبير الذي أراد به إكمال أصول التأويل من خلال رسالته التكميل في أصول التأويل.

ومن المصادر التي اعتمدها الشيخ الإصلاحي مصادر أمهات الحديث حيث اعتمد في المقام الأول الجامع الصحيح لأبي عبد الله البخاري(ت256هـ)، و ثنَّى بصحيح الإمام مسلم (ت261هـ)، وجامع الإمام الترمذي (ت279هـ)، وغير ذلك.

وفي هذا السياق يقول الشيخ الإصلاحي وهو بصدد بيان أدواته لفهم القرآن: ” إن الأحاديث والآثار من أشرف وأزكى المآخذ الظنية للتفسير. وكانت أهميتها مثل أهمية السنة المتواترة بشرط الاطمئنان إلى صحتها ”[17].

ومن بين المظان التي اعتمدها الإصلاحي كتب التفسير والحديث، اعتمد كذلك على كتب اللغة، ومنها لسان العرب لابن منظور (ت711هـ)، جاء في مقدمة تفسيره: ”اللغة تحتاج إلى الذوق السليم، ومن معاجم اللغة التي استفدت منها كثيرا لسان العرب، وذلك أن صاحبه يوضح معظم الألفاظ من جوانب شتى بالشواهد والنظائر وهذا أمر مفيد جدا، ولهذا هو مهم عندي وينبغي الرجوع إليه لهذا الغرض”[18].

ولم يقف الرجل عند هاته المصادر، بل سمح لنفسه بالنقل من مصادر باقي الكتب السماوية الأخرى وهي التفاتة نادرة جدا، لم يعتمدها في حدود علمي إلا فئة قليلة من المفسرين، أذكر على سبيل المثال: تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (ت1973م)، وقبله برهان الدين البقاعي(ت885هـ) في تفسيره: نظم الدرر في تناسب الآي والسور، والنقل من هذه المصادر يثير إشكالا حقيقيا[19]. فقد رد رواية الإسرائيليات بدعوى سقوط أسانيديها وأنها غير صحيحة ودعا في مقدمة تفسيره إلى النقل من التوراة والإنجيل فاختار منها الروايات التي تتفق مع القرآن الكريم ورد ما يخالفه[20]. يقول الإصلاحي وهو يعلل مصادره من الكتب السماوية: ”وأورد المفسرون كثيرا من هذه الروايات التي تسمى الإسرائيليات غير أني لم أعرج عليها، لأن أكثرها لم ينقل إلينا بسند صحيح. وإنما هي أحاديث وقصص موضوعة غير صالحة للاحتجاج فأعرضت عنها. ونظرت في التوراة والإنجيل فاخترت منها الروايات التي تتوافق مع القرآن الكريم، وقد وضحتُ بالدليل مواضع الخلاف بأنه الحق هو ما يقوله القرآن الكريم ”[21].

ثم تحدث في القسم الأول من المقدمة عما سماه بـ: الأصول الصحيحة للتفسير، وقسمها إلى قسمين كبيرين:

القسم الأول: الأصول القطعية للتفسير: ويسميها (الوسائل الداخلية)، وقد قسمها إلى أربع مستويات[22]:

  • اللغة العربية.
  • نظم القرآن.
  • تفسير القرآن بالقرآن.
  • تفسير القرآن بالحديث المتواتر.

القسم الثاني الأصول الظنية للتفسير: ويسميها (الوسائل الخارجية) عرض لها في أربع مستويات[23]:

  • الأحاديث وآثار الصحابة.
  • أساب النزول.
  • تاريخ الأمم السابقة.
  • الكتب السماوية السابقة.

وعن مصادره التي استقى منها مادته يطلعنا الإصلاحي بنص ثمين جاء في مقدمة تفسيره: ” ولا تجدون أسماء المراجع من كتب التفسير فيه. وهذا لأن أساس هذا التفسير ليس على كتب التفسير كما هو المروَّج عندنا؛ بل اعتماده على الوسائل الأصلية لفهم القرآن مباشرة، ولكن مع هذا ذكرت المراجع من كتب التفسير، وأرباب التأويل الذين يؤيدونني، ولو شئت لذكرت لك المراجع لتأييد رأي ولكنني لم أحاول كثيرا لهذا ”[24].

 

-8-

بواعث التأليف في التفسير

  لكل مؤلف منهج ومقصد ودوافع تدفعه لوضع تفسيره، وقد تتفاوت هذه المقاصد مع المفسرين وقد تتشابه؛ لهذا قد يفصح عنه في مقدمته وقد لا يفصح عنه. وقد جمع القدماء بين الطريقتين، فمنهم من سطر معالم بناء الكتاب (المنهج، الدواعي، والأغراض والمقاصد) في المقدمة، ومنهم من ترك الأمر للقارئ؛ ليستنبط أهم معالم المنهج وخصائصه، ودوافع التأليف ومقاصده. وفي هذا الباب صرح الشيخ أمين الإصلاحي في مقدمة تفسيره تدبر القرآن ببواعث التأليف، فذكر منها:

1- شغفه وتعلقه بالعلوم الشرعية عمومًا، وعلم التفسير خصوصًا.

2- رغبته الكبيرة في نشر فكر شيخه حميد الدين الفراهي.

3- وعْيه بكثرة الاتجاهات التفسيرية المختلفة، مع تسجيله قلة التفاسير التي اعتمدت النظم مدخلًا للتفسير؛ إلا أن هناك بواعث أخرى حضارية، وثقافية كبرى، يمكن استنباطها والاستدلال عليها من بطون التفسير.

فبعدما حدد بواعث التأليف، تدرج في الحديث عن غرضه ومقصده العام من وضعه تفسيره تدبر القرآن، حيث بسط القول في التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، وحاول الجمع بينهما معتمدا النقط الآتية:

1-سرده أقوال المتقدمين، ثم يتبع ذلك بالحديث النبوي الشريف، وبعض الآثار،

2- تغليبه القول بالرأي، والتعقيب عليه بأقوال المفسرين، مرجِّحًا ما يوافق رأيه،

3- اكتفاؤه أحيانًا بجزء من الحديث النبوي الشريف، مع بيان موقفه من نوع الحديث،

4- تصريحه أحيانا بمصدر الحديث، كقوله مثلا رواه البخاري، وذكر الرواية،

5- عزوه الأحاديث أحيانا إلى أصحابها، من دون ذكر المصدر، أو يسوق الحديث بإسناده المتصل إليهم من أجل الاختصار.

  • الأخذ عن ابن عباس كثيرًا في التفسير، وعن إجماع التابعين مستدلًّا على ذلك بأدلة مقبولة.

 

– 9-

منهج الإصلاحي في النظم والترتيب

  تدور مادة (ن، ظ، م) في معاجم اللغة على الجمع والضم والتأليف مع الاتساق والانسجام، فلا يستعمل في ما ليس له تماسك مستقيم، أو اعوجاج وتفرُّق. يقول ابن فارس: ” ( النون والظاء والميم ) أصل يدل على تأليف شيء وتكثيفه ونظمت الخرز نظمًا ونظمت الشعر وغيره”[25]، وزاد ابن منظور: ” وكل شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته”[26]. أخذًا من قول صاحب العين: ”النظم: نظمك خرزا بعضه إلى بعض في نظام واحد وهو في كل شيء حتى قيل: ليس لأمره نظام، أي لا تستقيم طريقته”[27]. فالكلمة لا تخرج في معناها اللغوي عن معنى التأليف والاتساق، فصح تداولها في كل ما يقبل الانتظام بين أجزائه، غير أن الاصطلاح حصرها في الكلام، ويوصف بها عندما تتآلف أجزاؤه تآلفًا متناسقًا على وجه يستحق به صفات بلاغية.

وعرف الشريف الجرجاني النظم بتعريف مجمل غير مبين، فقال:” تأليف الكلمات والجمل مترتبة المعاني متناسبة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل. وقيل: الألفاظ المترتبة المسوقة المعتبرة دلالاتها على ما يقتضيه العقل ”[28].

وهو معنى آخر مأخوذ من المعنى الطبيعي أصله، وهو ضم المتناثر، إلا أنه خاص بالكلم على ترتيب معانيه وفق مقتضى العقل والنظر. وهو تعريف كما ترى مجمل لا تتبين به طرق ترتيب الكلمات ومبانيه.

ومن أجل ما يحيل عليه مصطلح النظم من التأليف والتماسك والاستقامة، صرَّح كثير من المؤلفين الأُوَل أن إعجاز القرآن في نظمه، وأن سبيل تفاضل الكلام سبيل اختلاف نظمه وفضل بعضه على بعض، غير أنهم ما فسروه تفسيرًا يزيل الشبهة عن كل طاعن في القرآن، فكان: ”حريًّا بأن توقظ له الهمم، وتوكل به النفوس، وتحرك له الأفكار، وتستخدم فيه الخواطر”[29].

وبادر الجرجاني إلى تأصيل نظرية النظم من خلال تحريك همته؛ ليكمل ما بدأه من تقدمه ويفوقهم في صنيعهم، فألف الدلائل، وكان مبتغاه إزالة ما علق بالنظم من فهوم خاطئة، وتصويب ما رآه صائبًا، فصاغ مفهومًا تجري قواعده وفق ما أراده.

وهو بذلك لم يضع تعريفًا محددًا جامعًا لأفراد المعرَّف في مساقة واحدة بتعبير الدكتور الطيب شطاب[30]جامعًا لكل خواص النظم، مع إقامته مفهومًا له فصول وخصائص، إذ نثره في أثناء دلائله. فما هو مفهوم النظم عند الشيخ أمين أحسن الإصلاحي؟

وكيف اهتدى الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في تفسيره: تدبر القرآن إلى صنع المعنى من خلال استراتيجية مبينة على مصطلح النظم؟

إن نظم القرآن الكريم عند الشيخ الإصلاحي الأصل الثاني بعد العربية لفهم القرآن الكريم، ويقصد به وجود التناسق بين آياته، كما جاء في تعريف أحمد ابن فارس يقول الإصلاحي:” وهو جزء الكلام الذي لا ينفك عنه ولا يتصور حسن الكلام بدونه[31]”، ويبدي تعجبه من منكري النظم في القرآن الكريم فيتساءل ويستشكل ويجيب عن ذلك[32].

ومن باب شدة الرعاية والاهتمام بمعاني كلام الله عز وجل، يفيض الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في بيان أهمية النظم، وبيان أسباب اهتمامه، من ذلكم قوله:”… هذا الذي جعلني أهتم كثيرًا بنظم القرآن الكريم، وحاولت الفهم والاستنباط بمراعاة السياق والمواقع، ولذا ما اخترت إلا قولًا واحدًا في جميع المواضع في تفسير القرآن الكريم ”[33]. يعني هذا أن الرجل تحرَّى المعنى الصائب والسليم، حسب نظره وطاقته الاجتهادية الموصلة إلى المعنى الذي يراه مناسبًا يتماشى مع مقاصده وأغراضه من الإقبال على بيان كلام الله عز وجل. ثم انتقل إلى الحديث عن الدوافع الحضارية والسياسية والاجتماعية الدافعة إلى اعتماد النظم في بيان معاني كلام الله عز وجل[34].

وبين الشيخ الإصلاحي نوعًا آخر من النظم في القرآن الكريم، وهو نظام القرآن الكريم من حيث المجموع، فيقول: ”…إن ما ذكرناه قبل هذا كان يتعلق بداخل كل سورة أي إن لكل سورة وحدة مستقلة من حيث العنوان والعمود، ويتعلق جميع أجزاء السورة بالعمود تعلُّقًا تامًّا…وله جانب ظاهر لكل واحد ولكن مع هذا له جانب سري الذي لا يتضح إلا بعد التدبر والتفكر العميق في كتاب الله[35].

 

– 10 –

الجانب الظاهري لنظم القرآن الكريم للإصلاحي

 ذهب الإصلاحي في هذا الباب إلى أن نظم القرآن الكريم له ترتيب وتقسيم خاص، وقد أخذه عن شيخه حميد الدين الفراهي[36]-رحمه الله- يقول الشيخ الإصلاحي: ”إذا نظرنا إلى ترتيب المصحف الشريف الموجود بأيدينا، يتضح لنا أن الأمر ينقسم إلى سبعة أقسام مزدوجة من سور مكية ومدنية، ويبدأ كل قسم من هذه الأقسام بسورة أو سورتين مكيتين، وينتهي بسورة أو سورتين مدنيتين”[37]. وهناك نماذج كثيرة في أثناء تفسيره توضح جزئيات هذا المنهج، ثم استطرد في كلامه عن الجانب الخفي أو السري في نظم القرآن وأرجع الإشكال فيه إلى سببين:

– عدم معرفة اللغة العربية التي هي لغة القرآن.

– عدم التدبر والتفكر لإدراك وجه الربط والنظم في القرآن الكريم.

ثم تحدث عن نوع آخر من النظم سماه: نظم القرآن من حيث المجموع، وهو الذي قال فيه:” والآن أتقدم خطوة وأقول إن هناك نظامًا خاصًّا في القرآن الكريم من حيث المجموع ”[38].

ثم جعل فكرة الزمر والازدواجية في القرآن على ثلاثة أقسام[39]:

1- داخل السور، وأن كل سورة مستقلة بموضوعها وعمودها، ويتعلق جميع أجزاء السور بالعمود تعلقا تاما.

2- عبارة عما سماها بالازدواجية بين السور.

3- نظم القرآن وربطه من حيث الزمر.

كما اعتمد علوم اللغة العربية، معجمًا، وصوتًا، وصرفاً، ونحوًا، وبلاغةً، وقد أفاض في الحديث عن البلاغة وعن مباحثها[40]. وعرض لمسائل الفقه وفصل فيها القول، يتجلى ذلك في تفسيره لآيات الأحكام. وقد سجلت عليه شحًّا على مستوى الاستشهاد بأحاديث الأحكام، رغم القول بحجيته، غير أنه يكتفي بالإحالة إلى كتب الفقه في هذا الباب، ثم توسل بمسائل العقيدة وقررها من خلال أربع مباحث كبرى:

1- تقريره أدلة الربوبية والألوهية.

2- مناقشة مسألة الأسماء والصفات.

3- تقريره أدلة إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

4- تقريره لأدلة إثبات عقيدة البعث بعد الموت.

  • الدفاع عن الإسلام، …الخ.

-11-

أثر تفسير الإصلاحي في تدبر القرآن وامتداداته العلمية

   لما انتهى الشيخ الإصلاحي من تأليف كتابه تدبر القرآن، قام بتأسيس مجمع تدبر القرآن والحديث، وانتُخِبَ رئيسا له حتى مات (ت1997م) في لاهور. وكان للمجمع مجلة شهرية باسم: (تدبر)، وما زالت تنشر هذه المجلة، وقد صار الشيخ خالد مسعود مديرا لها. لنشر الفكر الفراهي والإصلاحي[41]. وقد كان من عمل هذا المشروع إلقاء محاضرتين في الأسبوع الواحد في تدبر القرآن، وأخرى في تدبر الحديث. وقد نشرت هذه الأعمال في ما بعد في كتاب حمل اسم: مبادئ تدبر الحديث.

خاتمة

ومن مجموع ما سيق في هذه المقالة العلمية، أخلص إلى أن شبه القارة الهندية تزخر بتفاسير علمية تضاهي تفاسير العالم الإسلامي في المشرق والمغرب. كما تشهد هذه الورقة العلمية على أن علماء الهند المسلمين أغنوا المكتبة التفسيرية بتفاسير قيمة، تشهد لجهودهم وتؤرخ لمراحل مختلفة من تاريخ تطور العلم في هذه البلاد المتنامية الأطراف.

كما قاد الاستقراء إلى أن أغلب هذه التفاسير التي ظهرت في الهند، إنما جاءت استجابة لحاجة مجتمعية منها ما دفع الشيخ أمين أحسن الإصلاحي إلى تأليف تدبر القرآن. وفي هذا السياق قاد تتبع تفسيره إلى أن الرجل كان على وعي كبير بمناهج التأليف عند القدماء، حيث بنى تفسيره بناء محكمًا على مقدمة نفيسة احترم فيها عناصر بناء المقدمات، ثم تحدث عن دواعي التأليف، وبناء الكتاب، ومصادره، وغرضه، كما أفصح عن بعض الإشكالات العلمية التي اعترضته في بيئته وفي زمنه.

هذا ولم يكن الإصلاحي ناقلا لتراث من تقدمه، أو مقيدا بتأويلات من سبقوه، بل كان رجلا مبدعا مجتهدا، مُبْدِيًا رأيَه، يظهر ذلك لمن تتبع تفسيره تتبعًا دقيقًا.

توصيات: وفي الختام، أوصي بمزيد دراسة تفسير الإصلاحي تدبر القرآن، ومواصلة العناية به، وترجمة تفسيره إلى اللغة العربية حتى نقدم خدمة للباحثين، وخدمة للتراث التفسيري عامة والتراث التفسيري بالهند خاصة، فضلا عن العناية بتراثه، وبتراث باقي علماء الهند. فما كتبوه بالإنجليزية يفوق ما كتب بالعربية.

 

الهوامش

[1]العمدة في غريب القرآن، مكي بن أبي طالب القيسي، (ص41).

[2]جهود هنود المسلمين في التفسير: مقال ضمن كتاب العلوم الإسلامية في الهند المسلمة  آزاد هندوستان مين إسلامي علوم وأدبيات: عماد الحسن، ( ص41-49 بتصرف).

[3] جهود علماء الهند في علم أصول التفسير، مقال لمحمد غلام الرحمن بن محمد النظامي، شارك به في المؤتمر العالمي الثالث للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع: بناء علم أصول التفسير: الواقع والآفاق من تنظيم: مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، (ص394).

[4]مفسري الهند وتفاسيرهم العربية، (ص 102).

[5]– هو عبد الحق بن محمد أمير العلوي الحقاني من كبار العلماء المتكلمين، هاجر أجداده من كابول في عهد عالمكير، تولى مناصب علمية عديدة، له تفسير كبير يقع في ثماني مجلدات سماه: فتح المنان بتفسير القرآن (ت1335هـ) انظر: ترجمته في: تذكرة المحسنين للحسيني (ص314-315).

[6]الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، إعداد: الحافظ أحمد افتخار، قسم الدراسات الإسلامية بهاولفور باكستان، (ص 33).

[7]الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن، (ص34).

[8]نفسه، (ص34).

[9]نفسه، (ص35).

[10]الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن، (ص38).

[11]– طبع تفسيره طبعتين: الأولى: في ثمانية أجزاء، والثانية: في تسعة أجزاء كلا الطبعتين باللغة الأردية.

[12] – وهي موجودة عندي باللغة الإنجليزية.

[13]الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن (ص86).

[14]تدبر القرآن، (ج1/، ص32).

[15]نفسه، (ج1/، ص32).

[16]فاتحة تفسير نظام القرقان، المقدمة الخامسة، (ص16).

[17] الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن (ص، 86).

[18]تدبر القرآن، (ج1/، ص17).

[19]– ناقش المختار شاكر أطروحة دكتوراه في موضوع: النقل من كتب التوراة والإنجيل في كتب التفسير: تفسير البقاعي نظم الدرر أنموذجا، تحت إشراف: الدكتورة فريدة زمرد، بدار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط يوم 02، أكتوبر 2017م.

[20] تدبر القرآن، (ج1/، ص1).

[21]نفسه، (ج1/، ص1).

[22]نفسه، (ج1/، ص27-28).

[23] نفسه.                           

[24] تدبر القرآن، (ج1/، ص17).

[25]مقاييس اللغة، ابن فارس، ( مادة (نظم)).

[26]لسان العرب، ابن منظور، (مادة (نظم)).

[27]العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، (مادة (نظم)، ج8/، ص 165).

[28]التعريفات، الشريف الجرجاني، ( ص220).

[29]دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، ( ص80).

[30]نظرية النظم عند الجرجاني وأثرها في تفسير القرآن الكريم، ضمن أشغال المؤتمر العالمي الثالث للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع: بناء علم أصول التفسير: الواقع والآفاق، تنظيم مؤسسة مبدع للدراسات والبحوث- فاس ( ص9 بتصرف يسير).

[31]مقدمة تدبر القرآن، (ص هـ).

[32] نفسه، (ص ل).

[33] نفسه.

[34]تدبر القرآن، (ص ط).

[35]نفسه، (ص ل).

[36]دلائل النظام للفراهي، ص

[37]مقدمة تدبر القرآن، (ص ل).

[38] نفسه.

[39]نفسه.

[40]– للتوسع في هذا الباب، يرجى العودة إلى: تدبر القرآن، (ج1/ ص، 55-56، 76، 176. 441. ج3/ ص، 317، 537، 635 …الخ). وقد سجلت تبحره في علوم البلاغة العربية.

[41]الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن، (ص 35).

 

لائحة المصادر والمراجع: 

تدبر القرآن، الشيخ أمين أحسن الإصلاحي، مكتبة مركزي انجمن خدام القرآن، لاهور، 1976م.

التعريفات، الشريف الجرجاني، تحقيق: عبد المنعم الحنفي، طبعة دار الرشاد، (د.ت).

جهود علماء الهند في علم أصول التفسير، لمحمد غلام الرحمن بن محمد النظامي، شارك به في المؤتمر العالمي الثالث للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع: بناء علم أصول التفسير: الواقع والآفاق من تنظيم: مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) (د.ت).

جهود هنود المسلمين في التفسير، عماد الحسن، كتاب العلوم الإسلامية في الهند المسلمة  آزاد هندوستان مين إسلامي، علوم وأدبيات، مكتبة جامع نبئ دلهي، لميتيد 1982م.

الشيخ أمين أحسن الإصلاحي ومنهجه في تفسيره: تدبر القرآن، الحافظ أحمد افتخار، دكتوراه، قسم الدراسات الإسلامية بهاولفور، باكستان، 1996م.

طبقات علماء إفريقية، وكتاب طبقات علماء تونس، محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، نشر: دار الكتاب اللبناني، بيروت- لبنان. (د.ت).

العمدة في غريب القرآن، الطبعة الأولى، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت 1981م.

قواعد التفسير عند مفسري الغرب الإسلامي إلى حدود القرن الهجري السادس، مسعود الركيتي، الطبعة الأولى، نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، (2012م).

كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: ابراهيم السامرائي، ومهدي المخزومي، ( د. ت).

لسان العرب، ابن منظور، تحقيق: عبد الله علي الكبير، وآخرين، طبعة دار المعارف، القاهرة، (د.ت).

معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الأولى، نشر: دار الجيل، 1411هـ.

نظرية النظم عند الجرجاني وأثرها في تفسير القرآن الكريم، الطيب شطاب، ضمن أشغال المؤتمر العالمي الثالث للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع: بناء علم أصول التفسير: الواقع والآفاق، تنظيم مؤسسة مبدع للدراسات والبحوث- فاس المملكة المغربية، سنة 2015م.