المعهد ينعى الشيخ محمد بن الأمين بوخبزة

رحل العلامة الصالح بقية السلف التراثي الشيخ محمد بن الأمين بن عبد الله، الحَسَنِيّ، الإدريسي، العِمْرَانِيّ، (بوخبزة)، ففقدنا بفقده علمًا كبيرًا من أعلام التراث، المنتمين له، المتبتلين في محرابه، وما أقلَّهم هذه الأيام! إن كان الرجل تطوانيًّا مغربيًا بحسب سكنه، فإنه كان عربيًّا إسلاميًّا (عالميًّا) بحسب انتمائه، ولذلك لم تقتصر شهرته على المغرب، بل تجاوزتها إلى العالم العربي والإسلامي، فعُرف وشهر وقصده الناس من كل مكان.

 

 

جمع بوخبزة بين العلم والانتماء والإخلاص: العلم الواسع المتبحر في مختلف علوم اللغة والدين، وبخاصة الفقه والحديث، والانتماء للإسلام دينًا وثقافة دعا له وذاد عنه طوال حياته، وعلى كل المنابر التي ارتقاها، والإخلاص الذي لم يخالطه شيء من نوازع الدنيا وبهارجها.

تمتع الراحل الكبير بقدرة عجيبة على الحفظ والاستحضار، فقد وهبه الله ذاكرة واسعة لا تخون ولا تتردَّد ولا تنسى، وما كانت الذاكرة وحدها فقد امتلك لسانًا بليغًا وقدرة على الخطابة والتأثير، وقد وظف ذلك كله لخدمة الإسلام والعربية.

يذكرنا بوخبزة تغمَّده الله برحمته بالأسماء الكبيرة والعظيمة في تراثنا، علمًا وصدقًا وعطاءً وتواضعًا.

لقد نسخ الراحل بخطه الجميل أكثر من ستين مجلدًا من كتب التراث، وعلى نسخه المتقنة كان التعويل في تحقيق ما ظهر منها مطبوعًا.

وإن ننسَ فلن ننسى تلك الذكريات التي دوَّنها منذ شبابه، وهي في الحقيقة ليست ذكريات فقد ضاقت بنا اللغة، وإنما موسوعات زاخرة بالعلم، ويكفي أن نشير هنا إلى واحدة منها (جراب الأديب السائح) الذي صدر في اثني عشر مجلدًا.

يذكر أن الراحل ولد في 26 من ربيع الأول 1351هـ  / يوليو 1932م بمدينة (تطوان) ووافاه الأجل فيها أمس الخميس 30 / 1 / 2020م، عن عمر ناهز (88) عامًا.

تعلم في صغره في (الكُتَّاب) ثم التحق بالمعهد الديني بالجامع الكبير، وتتلمذ على يد كبار الأساتذة، منهم: محمد بن الراضي الحسّاني، ومحمد بن عمر بن تَاوَيْت، وأجازه الشيخ أحمد بن محمد بن التجكاني الغُماري الطنجي، والشيخ عبد الحي الكَتَّانِيّ، والشيخ عبد الحفيظ الفاسي الفِهْرِيّ، والشيخ محمد الطاهر بن عَاشور، واجتمع بالشيخ “محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطي، بالمدينة المنورة في سفره للحج عام 1382هـ وروى عنه بعض رسائله.

أسس معهد الإمام أبي القاسم الشاطبي لتحفيظ القرآن وتدريس علومه بتطوان، وله أكثر من ثلاثين كتابًا مطبوعًا بين تأليف وتحقيق، منها:

  • جراب الأديب السائح، في 15 مجلدًا.
  • الشذرات الذهبية في السيرة النبوية.
  • فتح العَلِيّ القدير في التفسير (وهو تفسير لبعض سور القرآن الكريم).
  • تحقيق جزء من “التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد” للحافظ ابن عبد البر النَّمِرِيّ.
  • تحقيق أجزاء من “الذخيرة” للقرافي المالكي، طبع في 13 مجلدًا.
  • فهرس مخطوطات خزانة تطوان.

رحم الله بوخبزة، وعَوَّضنا عنه، في ظل هذا القحط المعرفي والأخلاقي الذي نعيش، وبعد أن ضاقت الدنيا على التراث، فخفت صوته، واعتزل أو عزل أهله، وتصدَّرت (الرويبضات) الذين هم أشبه بالطبول، أصوات وضجيج ليس وراءها إلا الفراغ.