الدكتور محمد هيثم الخياط في ذمة الله

الدكتور محمد هيثم الخياط  1937-2020

 

شهد اليوم السابع عشر من شهر الله المحرم 1442 الذي وافق يوم السبت الخامس من شهر أيلول/ سبتمبر 2020 رحيل رجل استثنائي طالما قصّر عصرُه عن اللحاق به، وطوى له ربُّه الزمان فبارك له في سنوات عمره الثلاث والثمانين ليجمع فيها حصيلة ما وصلت إليه المعارف من الأجيال التي سبقته، وكان رحمه الله يشير إلى ذلك على استحياء بقوله “إن رفاق أبي ارتضوني رفيقًا لهم”، بينما كان أساتذته يصرّحون بأن عمله معهم لم يكن مجرّد مشاركة لهم، بل كان فيه تصويب وتحديث لأعمالهم.

نعم، لقد كان الدكتور محمد هيثم الخياط رجلًا متعدد المواهب، موسوعي المشارب، فكم حيّر الإعلاميين وهم يقدمونه لجمهور المشاهدين لبرامجهم، رغم ما عُرِف عنهم من تفنُّن في إطلاق الأوصاف على ضيوفهم، فتارة يطلّ عليهم إطلالة الشيخ العالم بالشرع، لأنه حاز منذ كان شابًا على أعلى الأسانيد في العلوم الشرعية من أجلّ علماء الشام، مثل الشيخ عبد الوهاب  الحافظ [الملقَّب عبد الوهاب دبس وزيت] رحمه الله، فأصبح في باكورة شبابه عليمًا بدقائق المسائل والنوازل الفقهية في هذا العصر، ومجازًا في علوم القرآن الكريم والقراءات درايةً وروايةً، وحافظًا للحديث الشريف متنًا وإسنادًا، ومتبحِّرًا في أصول الفقه والعقائد والأخلاق، وتارة أخرى يطلّ عليهم طبيبًا وأستاذًا في علوم الجراثيم والمكروبات والمختبرات، وهو في كل المناسبات مصطلحيّ متفرّد بابتكاراته وصوغه للمصطلحات، بعد أن رسم منهجية بديعة للاشتغال بها، فنجح أيما نجاح في نشرها وترويجها، لتكون أعماله في المصطلحات تجميعًا لحصائل العصور المتلاحقة من التطور اللغوي بدأت منذ الجاهلية ولا تزال حية في القرن الحادي والعشرين.

ويعتبر اعتماد الدكتور محمد هيثم الخياط على العمل الجماعي وتقديره للخبرات من أهم أسباب نجاحه، فقد استعان بخبرات الأجيال المتلاحقة من المصطلحيين العرب من أساتذة كليات الطب وأعضاء المجامع اللغوية العربية في دمشق والقاهرة وبغداد والرباط والجزائر وتونس والرياض وبيروت، فخرج لنا بالطبعات المتلاحقة من المعجم الطبي الموحَّد والموحِّد.

وجاء عمله في منظمة الصحة العالمية نائبًا للمدير الإقليمي لشرق المتوسط ليكشف عن بُعد آخر من أبعاد شخصية المرحوم الدكتور محمد هيثم الخياط، ألا وهو إدارة الأعمال على الصعيد الدولي وفي كل بلد على حدة، وإحداث التغيير الإيجابي في المواقع الميدانية وفي النظم الصحية، وترسيخ القيم الأخلاقية المستمدة من المجتمع، وتعزيز اللغات الوطنية دون إهمال التعددية اللغوية، فكانت حصيلة ولايته أن أضحت منظمة الصحة العالمي أقرب للبلدان مما كانت عليه من قبل، وتعزَّز لدى كل بلد، مهما كان صغيرًا، أن له دورًا هامًا عليه أن يلعبه في الأجهزة الحاكمة للمنظمة.

رحم الله الدكتور محمد هيثم الخياط وأسكنه فسيح جناته