بيان الأليكسو; في يوم الوثيقة العربية

يعود يوم الوثيقةالعربية مرة أخرى في ظل ظروف عصيبة تمر بها الأمة العربية، لعلها لم تتعرض لمثلها من قبل، ويستدعي العقل العربي في هذه المناسبة الكثير من المعاني التي ترتبط بالحدث في بعده التاريخي وفي توظيفه اليوم ، إلا أن المعنى الأهم الذي ينبغي الالتفات إليه اليوم هو معنى نفسي خالص “الثقة” الذي اشتق منه لفظ”الوثيقة”.

ان استعادة “الثقة ” بالنفس أولاً، هو جوهر أية مقاربة ناجحة للأزمات التي تحيط بنا من كل جانب، ووسيلتنا هي الاحتشاد للحاضر بأمرين: الاستعانة بالماضي الذي تمثله الوثيقة من جهة ، وبالعمل الدؤوب القائم على امتلاك أدوات العصر وأسلحته والوعي به من جهة أخرى.

إن معهد المخطوطات العربية الذي يعنى أساساً بـ “المخطوط العربي” يرى في المخطوط أيضاً”وثيقة” ولا يهم من بعد ذلك الفارق الهامشي في المحتوى والغرض بين الوثيقة بالمعنى القريب (الوثيقة المرتبطة بالحدث التاريخي) والوثيقة (المعرفية)التي يمثلها المخطوط.

 

إن يوم الوثيقة العربية الذي يصادف يوم 17 أكتوبر من كل عام ينطوي كما ترى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على رمزية ثقافية يراد من ورائها توليد وعي جماعي بأهمية الوثيقة وتوجيه بوصلة المجتمع نحو الاعتناء بها، وإدراجها في المكان اللائق بها في قائمة الاهتمامات الثقافية، ولما كانت الوثيقة هي المصدر الرئيس للكتابة التاريخية العلمية، فإن الاهتمام بها يعبر عن مسعى إلى الارتقاء بأدوات التاريخ ومناهجه، ليس فقط التاريخ بوصفه حقلاً أكاديمياً، وإنما بمعناه الأوسع والأشمل الذي هو الذاكرة الجمعية التي تتجسد في التراث بكافة أشكاله.

ومن جهةأخرى يستدعي “اليوم” التوثيق وما يلحق به من قيم التثبت والتحقق والاستقصاء التي لا غنى عنها في تأسيس الوعي الرشيد. وليس أدعى إلى طلب ذلك من الظروف الراهنة التي تتعرض لها المنطقة العربية والتحديات الجسام التي تجابهها بسبب تفشي الوعي الزائف وشيوع التضليل والتلاعب بالعقول.

إن التوقف ليوم واحد في السنة عند رمز هو “الوثيقة العربية” يمثل مشروعاً ثقافياً غايته بناء الذاكرة تأسيساً على مسعى البحث عن الحقيقة وتحصين العقول، وفي ذلك مشاركة إيجابية في التخطيط الثقافي، بل في صنع الثقافة تلبية لحاجات المجتمع ومتطلبات العصر.

وإذاكانت نقطة انطلاق الحضارة العربية الإسلامية هي التدوين الذي تمثل الوثيقة أحد أوعيته، فإن في إعلاء شأنها والعمل على تطوير وسائل حفظها وتصنيفها ودراستها إحياء للتراث الثقافي وتعزيزاً للنسق العلمي، وكما هو معروف فإن الأرشيف _سجل الوثائق_هو عصب الحضارة المعاصرة

بناء على ذلك فإن تعزيز مكانة الوثيقة العربية أمر لا خيار إذا ما أردنا عبوراً إلى الحضارة المعاصرة واستشرافاً حقيقياً للمستقبل.