أكد د. فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة أن العلاقة بين التراث واللغة شديدة التشابك، وأنها ذات جوانب متعددة، منها ما يتصل بالتأسيس المعرفي، أي: كيف تفعل اللغة فعلها في إنتاج الثقافة؟ وقال: إنه إذا كان الشعر – كما يقول النقاد – هو الذي يعيد تخليق اللغة، فإن اللغة هي التي تعيد تخليق الحياة العقلية، وإن التراث هو الذي يعيد تخليق الحياة الحضارية للجماعات البشرية، وأشار إلى أن علاقة العرب والمسلمين بالعربية وتراثها شديدة الخصوصية لأسباب عديدة، من أهمها التشابك إلى حد التماهي بين ثلاثية اللغة والتراث والدين، ومن هنا كانت العربية هي «اللغة الشريفة» عند القدماء، ومنهم ابن جني، ولفت إلى أن أسئلة التراث واللغة ليست أسئلة تاريخية، بل هي أكثر حداثة من الحداثة ذاتها، ذلك أن الحداثة لا تنهض بدون التاريخ، ونحن نعلم أن الحضارة الغربية كانت أول خطوة لها على طريق النهضة هي العودة إلى التراث.
وذكر أن الموقفين الرئيسين تجاه التراث العربي اليوم قد جانبهما الصواب: موقف التفحص، تفحص التراث، والقطيعة معه، فالتفحص سكن في الأنا التاريخية، وهو موقف ينافي العقل لاستحالة العيش في الماضي وعدم إمكان استنساخ الرجال والعقول، والقطيعة ذوبان في الآخر، وهو موقف ينافي العقل أيضًا؛ لأن الإنسان لا يملك أن ينفصل عن جزء منه أو يتخلى عنه.
وحث على عدم الوقوع في شرك الثنائيات: الأصالة والمعاصرة، الدين والعلم، الدنيا والآخرة، العقل والنقل، الشرق والغرب، والقراءة التراثية للتراث والقراءة التغريبية للتراث، إذ القراءة الأولى ظالمة، والثانية هادمة، وقال: إن المطلوب اليوم هو القراءة النقدية للتراث، هذه الأخيرة هي التي تعرف قيمة التراث بوصفه رصيدًا حضاريًّا، وفي الوقت نفسه تسائله، فتقبل وتطور وتبني وتوظف، ولا تسقط وتحذف وتلغي جزافًا.
ودعا إلى حل إشكالية التراث واللغة سواء على مستوى النخبة، أو على مستوى عموم الناس، حتى نتمكن من حل إشكالياتنا العصرية في التعليم والتفكير والتعبير، وقبل ذلك في الانتماء.
جاء ذلك في المحاضرة التي أقامها مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية في 18 من ديسمبر الحالي تحت عنوان «احتفالية اليوم العالمي للغة العربية: تجليات التراث وآفاق المستقبل».