حواضر المعرفة|مكة المكرمة|تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (ت٥٣٨هـ)

1-1- تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (ت٥٣٨هـ)

أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري المعتزلي. المفسر المتكلم البلاغي النحوي الأديب.

ولد بمدينة زمخشر في رجب من سنة سبع وستين وأربعمائة (467هـ)، وطوّف بين البلدان فرحل إلى بخارى وبغداد، وجاور بمكة زمنا، ثم رجع وأقام بخوارزم فكانت تُضرب إليه أكباد الإبل، وتوفي -رحمه الله- في ليلة عرفة من ذي الحجة لسنة ثمان وثلاثين وخمسمائة (538هـ) بمدينة كركانج (جرجانية).

ومن مؤلفاته: (أساس البلاغة)، و(الفائق في غريب الحديث)، وكتاب (ربيع الأبرار وفصوص الأخبار)، و(متشابه أسامي الرواة)، و(المستقصى في أمثال العرب).

يعد تفسير الكشاف للزمخشري من التفاسير المحورية في الكشف عن وجوه الإعجاز البلاغي التي تقدم عملا تطبيقيا لعلوم البلاغة مع حشد للفوائد اللغوية.

ويقول الزمخشري في مدحه:

إنَّ التفاسير في الدنيا بلا عدد * وليس فيها لعمري مثل كشّافي

إنْ كنتَ تبغي الهُدى فالزمْ قراءته * فالجهلُ كالداء والكشافُ كالشَّافي

وهو من المؤلفات المكية حيث أتمّ جار الله الزمخشري تأليفه بمكة المكرمة تجاه الكعبة المشرفة، حيث يقول الزمخشري في خاتمة مبيضته لتفسير الكشاف: “فَرغتْ منها يد المصنف تجاه الكعبة في جناح دَارِه السليمانية، التي على باب أجياد الموسومة بمدرسة العلامة ضحوة يوم الإثنين لثالث والعشرين من ربيع الآخر في عام ثمانية وعشرين وخمسمائة”.

وكانت اللبنات الأولى للزمخشري لهذا التفسير عند شروع الزمخشري في تأليفه بموطنه بمدينة خوارزم أن ابتدأ بتفسير سورة البقرة، وقد أطنب في الأوجه الواجب عرضها في بيان المسائل التي تناقش خلال تفسير القرآن الكريم، ويقول الزمخشري في ذلك: “وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة، وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب، وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم”. وبهذا فقد كان هدف الزمخشري في البداية أن يُقدّم النموذج الذي يَحتذي به المفسرون عند تفسير القرآن الكريم.

وخلال مرور الزمخشري بحواضر المعرفة أثناء رحلته للحج بمكة المكرمة وقف على تعطّش طلبة العلم إلى مثل هذا العمل مكتملا، وزاد إدراك الزمخشري بأهمية استكمال عمله عند مجاورته بمكة المكرمة، فغيّر منهجية عمله، وارتأى الاختصار، فكان مخططه أن يستكمل العمل في ثلاثين سنة، فاختصر مدة العمل إلى عامين تقريبا أو كما يقول الزمخشري بمقدمة الكشاف: “ففرغ منه في مقدار مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه”.

وقد حظي تفسير (الكشاف) بالقبول في مجتمع المعرفة في الحضارة العربية الإسلامية، بل قد نال إعجاب المخالفين لمذهب الاعتزال الذين انتصر له الزمخشري في عدة مواضع من تفسيره.

فنجد على سبيل المثال ابن خلدون في مقدمته يقول: “ومِن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن مِن التفسير، كتاب (الكشاف) للزمخشري من أهل خوارزم العراق، إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد، فيأتي بالحِجاج على مذاهبهم الفاسدة، حيث تعرّض له في آي القرآن من طرق البلاغة.

فصار بذلك للمحققين من أهل السُّنة انحراف عنه وتحذير للجمهور من مكامنه، مع إقرارهم برسوخ قَدمِه فيما يتعلق باللسان والبلاغة. وإذا كان الناظرُ فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السُّنية، محسنًا للحِجاج عنها، فلا جرم أنه مأمون من غوائله، فليغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان”.

وتمتع تفسير الزمخشري بعدد كبير من العلاقات النصية التي دارت في فَلَكِه من الشروح والحواشي والتعليقات والمختصرات والردود والدفاع وتخريج الأحاديث النبوية، مثل: (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) للبيضاوي (ت 685 هـ)، و(فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب) للطيبي (ت ٧٤٣ هـ)، و(تخريج أحاديث تفسير الكشاف) للزيلعي (ت762هـ) ونحوها من المؤلفات التراثية فضلا عن الدراسات المعاصرة.

ومن المعايير الأخرى التي توضّح مكانة تفسير الزمخشري في المكتبة العربية التراثية حجم الاستشهادات المرجعية في كتب التراث التي أحالت على تفسير (الكشاف) التي لم تقتصر على مؤلفات التفسير وعلوم القرآن فحسب، بل نجد كمًّا كبيرا من الاستشهادات المرجعية يرجعها علماء البلاغة والنحو واللغة إلى تفسير الكشاف، نحو: (الجنى الداني في حروف المعاني) لابن قاسم المرادي (ت 749هـ) الذي تجاوزت إحالاته على تفسير الكشاف الخمسين (50) موضعا.

كما يمكن أن نعتبر أن عدد المخطوطات لكتاب ما إشارةٌ واضحة إلى مدى الاشتغال المعرفي بالكتاب وحجم تداوليه في مجتمع المعرفة، فهناك علاقة طردية بين عدد المخطوط  وحجم الاشتغال المعرفي، فكثرة نُسخ الكتاب المخطوطة بيان على مدى الاشتغال بالكتاب في الحضارة العربية الإسلامية، ويقع تفسير (الكشاف) ضمن الأعمال المئوية من حيث عدد النسخ الخطية حيث تتجاوز النُّسخ الخطية من هذا التفسير المئات من المخطوطات بمكتبات المخطوطات العربية والعالمية.

وإذا كان شروع الزمخشري في تفسيره بموطنه بخوازرم، وإنشائه للصورة النهائية المختصرة وتمامها كان بمدينة مكة المكرمة حال مجاورته، فإن النسخة التي بخط المؤلف فقد آلت إلى الوقف بمشهد الإمام الأعظم أبي حنيفة بمدينة بغداد، وقد اعتمد العلماء والنساخ على نسخة المؤلف تلك في الانتساخ منها والمقابلة عليها.

ومن النسخ الخطية لتفسير الكشاف نسخة المكتبة الوطنية الفرنسية (باريس) رقم (599)، وهي نسخة منقولة من نسخة المؤلف الموقوفة بخرانة مشهد الإمام أبي حنيفة.

ونسخة مكتبة نور عثمانية (إسطنبول) رقم (399)، وهي نسخة مقابلة على نسخة الفقيه الحنفي قوام الدين الأتقاني المنقولة من نسخة المصنف والمقابلة عليها.