الدر الثمين شرح الياسمينية في الجبر والمقابلة لشهاب الدين ابن الهائم (ت815 هـ)
هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عماد بن علي ابن الهائم المصري القاهري القرافي المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب.
ولد بمدينة القاهرة بالقرافة الصغرى سنة ست وخمسين وسبعمائة (756هـ) وقيل: (753هـ)، واشتغل بالفرائض والحساب، وانتهت إليه الرياسة فيهما بزمانه، وقد ارتحل إلى بيت المقدس للإفتاء والتدريس بالمدرسة الصلاحية، وصار يعد من شيوخ المقادسة، ثم جاور بمكة المكرمة ، وتوفي بالقدس الشريف في رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة (815هـ).
ومن مؤلفاته: (تحفة الطلاب في نظم قواعد الإعراب لابن هشام) في النحو، و(شرح المقنع) في الجبر والمقابلة، و(غاية السؤل في الإقرار بالدين المجهول) في الحساب، و(كفاية الحفاظ) في الفرائض، و(نزهة النظار في صناعة الغبار) في الحساب.
تعد أرجوزة ابن الياسمين المراكشي (ت601ه) من المنظومات العلمية المحورية في علم الجبر والمقابلة، حيث دار في فلكها الاشتغال المعرفي بعلم الجبر والمقابلة من النساخة والمطالعة والسماع على الشيوخ والقراءة ونحوها من طرائق التداول المعرفي، كما عمل علماء الرياضيات في الحضارة العربية الإسلامية على خدمتها بالشرح والتعليق.
ومن الشروح التي حظيت بالقبول والذيوع بين أعضاء مجتمع المعرفة في الحضارة العربية الإسلامية شرح شهاب الدين ابن الهائم، وكان باعث التأليف لهذا الشرح هو تلبية لطلب بعض الأعيان حال مجاورة ابن الهائم بمكة المكرمة.
ويقول ابن الهائم في ذلك: “ولما جاورت بمكة المشرفة عام تسع وثمانين وسبعمائة التمس مني بعض أفاضل الأعيان وأعيان الأفاضل أن أوشح الأرجوزة المذكورة بشرح وافٍ شامل، وكان صدور السؤال بعد انتصاف شوال…“.
وقد مهّدَ ابن الهائم لشرحه نبذة موجزة عن أهم مؤلفات وأعلام علم الجبر والمقابلة بداية بمؤسس العلم العالم الرياضي الخوارزمي (ت235هـ) أول من صنف في هذا العلم، ثم العالم الرياضي أبي كامل شجاع بن أسلم المصري (ت340هـ تقريبا) صاحب كتاب (الشامل)، ثم ذكر كتاب (الفخري) في الجبر والمقابلة لمحمد بن الحسن الكرخي (ت 410 هـ)، وتبعه بذكر كتاب (الأصول) في الجبر والمقابلة لابن البناء المراكشي (ت 721 هـ).
ومن مختصرات علم الجبر والمقابلة التي ذكرها ابن الهائم بمقدمته: كتاب (نصاب الحبر في علم الجبر) لإسماعيل بن إبراهيم ابن فُلُّوس (ت650 ه) المصنف بمدينة بمكة ، ثم تعرض ابن الهائم لـ(أرجوز ابن الياسمين) في الجبر والمقابلة واصفا إياها بكونها «المنظومة التي قد بلغت في الحسن مرتبة معلومة، واشتهرت لحسن قصد صاحبها في مشارق الأرض ومغاربها، ولعذوبة ألفاظها كثر حُفّاظُها، ولكثرة معانيها كثرت مبانيها».
ثم يسرد لنا ابن الهائم صورة من اشتغال علماء عصره بمنظومة ابن الياسمين، وهي قراءة تقي الدين الحنبلي (ت812هـ تقريبا) على شيخه أبي الحسن علي بن عبد الصمد الجلاوي المالكي (ت ٧٨٢هـ) ، ثم استملاؤه لأمثلة على مسائل المنظومة، وقد كتب هذا الإملاء بعض الطلبة الضعفاء ونسبوا هذه الكتابة تارة إلى الشيخ الجلاوي وتارة إلى تلميذه الحنبلي، ويعلق ابن الهائم على هذا الصنيع بأن بعض من يجهل منزلة هذين العالمين يرتكز على هذه الأوراق المنسوبة إليهما فيطعن في إمامتهما في علم الجبر وما ذلك إلا للجهل بقدرهما.
ويظهر هذا العرض الذي قدمه ابن الهائم مدى تجرد العلماء فمع كونه يُقدِم على إنتاج شرح لمنظومة ابن الياسمين، وهو عمل موازٍ لتعليقة الجلاوي وتلميذه الحنبلي إلا أنه يقدم الشرح ببيان منزلة معاصريه من الشيوخ والأقران، ويعتذر لما وقع من جوانب خلل أحدثها بعض طلبة العلم الضعفاء في منتج سابقيه.
وكانت مدة التأليف لهذا الشرح أقل من شهرين حيث شرح ابن الهائم في تأليفه بمنتصف شوال لسنة عام تسعة وثمانين وسبعمائة، وانتهى من التأليف في السادس من ذي الحجة بنفس العام.