حواضر المعرفة|مكة المكرمة|الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية لمحيي الدين ابن عربي (ت638هـ)

محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي الأندلسي المرسي المعروف بابن عربي، من ولد عبد الله بن حاتم أخي عدي بن حاتم.

ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة (560هـ) بمدينة مرسية، وطوّف في البلدان رغبة في طلب العلم، فسمع بمدينة مرسية وإشبيلية وقرطبة من بلاد الأندلس، وبفاس والقاهرة ومكة المكرمة ودمشق وبغداد والموصل، وسكن بمدينة قونية مدة، ودفن –رحمه الله- بمقبرة القاضي محيي الدين ابن الزكي بسفح جبل قاسيون (دمشق) سنة ثمان وثلاثين وستّمائة (638هـ).

وذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) عن ابن مسدي أن لابن عربي: “تواليف تشهد له بالتقدّم والإقدام ومواقف النهايات في مزالق الأقدام. وكان مقتدرا على الكلام، ولعله ما سَلم مِن الكلام، وعندي من أخباره عجائبُ. وكان ظاهريّ المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات، ولهذا ما ارتبتُ في أمره، والله أعلم بسرِّه”.

ومن مؤلفاته: (التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية)، و(تذكرة الخواص، وعقيدة أهل الاختصاص)، و(ترجمان الأشواق)، و(فصوص الحكم)، و(محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار).

وله ديوان شعر كبير، منه:

أيا حــــــائــــرا مــا بـــيــن عِـلـم وشــهــــوة   *  لــيــتّصلا مـا بـــيـن ضــدَّيـــن مـن وصْــلِ

ومن لم يكن يستنشقُ الريحَ لم يكن  * يرى الفضلَ للمسكِ الفتيق على الزبلِ

يعد كتاب (الفتوحات المكية) موسوعة عرفانية اشتملت على جلّ المعارف الصوفية في القرن السادس الهجري، وهو من أهم مؤلفات ابن عربي، وأوسعها شهرة وأكثرها نُسَخا، وقد بلغت عدد السماعات التي أحصاها د.عثمان يحيى في كتابه (مؤلفات ابن عربي تاريخها وتصنيفها) على كتاب (الفتوحات المكية) إحدى وسبعين (71) سماعا أغلبها ببيت المؤلف بدمشق، ومنها ما كان في حلب ببيت تلميذه إسماعيل ابن سودكين النُّوري.

ويقول ابن عربي في مقدمة (الفتوحات المكية) ذاكرا لغايته من التأليف وموضع الشروع فيه: “إني كنت نويت الحج والعمرة… فلما وصلت أم القرى… أقام الله في خاطري أن أعرف الولي بفنون من المعارف حصلتها في غيبتى …كان الأغلب هذه منها ما فتح الله علي عند طوافي ببيته المكرم”.

ومن أقوال العلماء في كتاب (الفتوحات المكية):

يقول عنه خليل بن أيبك الصفدي في (الوافي بالوفيات) : “وقفتُ على كتابه الذي سماه (الفتوحات المكية)؛ لأنه صنفه بمكة، وهو في عشرين مجلدة بخطه، فرأيتُ أثناءه دقائق وغرائب وعجائب ليست توجد في كلام غيره، وكأن المنقول والمعقول ممثلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها، متى أراد أتى بالحديث أو الأمر ونزّله على ما يريده، وهذه قدرة ونهاية اطلاع وتوقّد ذهن وغاية حفظ وذكر، ومن وقف على هذا الكتاب عَلِم قدره، وهو مِن أجلّ مصنفاته”.

أما ابن كثير في (البداية والنهاية) فيقول عنه: “وأقام بمكة مدة، وصنف فيها كتابه المسمى بالفتوحات المكية في نحو عشرين مجلدا، فيها ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف”.

ويذكر ابن دقماق في (نزهة الأنام في تاريخ الإسلام) متوسط مُعدّل التأليف اليومي عند ابن عربي في كتابه (الفتوحات) بقوله: ” ولما صنف كتاب الفتوحات المكية كان يكتب في كل يوم كرّاسين وثلاثة من غير كُتب عنده ولا مسودات”.

وقد تنوعت المؤلفات التراثية حول (الفتوحات المكية) لابن عربي، فمنها: (لواقح الأنوار القدسية، المنتقاة من الفتوحات المكية) لعبد الوهاب الشعراني (ت973هـ)، و(أنس الواردات في شرح أول خطبة الفتوحات لابن عربي) لصاري عبد الله (ت 1054هـ)، (شرح خطبة الفتوحات المكية لابن عربي) للأمير عبد القادر للجزائري (ت1300هـ).

قيمة نسخة المؤلف في تبرئته مما دسَّ عليه:

عندما يُبرز المؤلف عملَه يتداوله مجتمع المعرفة من الرواة والنساخ ونحوهم، وهذا التداول المعرفي قد يُنتج عنه في بعض الأحوال تدخّل مقصود أو غير مقصود في نصّ المؤلف سواء كان هذا التدخل بالنقصان الناتج عن السهو أو النقصان المتعمد الناتج عن التهذيب، وكذلك الزيادة سهوا الناتجة عن انتقال النظر أو الزيادة المتعمدة بالتعليق أو الدسّ ونحوهما.

وتلك الصور من النقص والزيادة التي يعتري نصَّ المؤلف قد لا يصرّح مُنتجوها بتصرفاتهم تلك في بعض الأحيان، ولاستخلاص نص المؤلف كما أبرزه وأراده يُرجع إلى أسرة النص المعرفية من مصادر المؤلف التي استقى منها مادة كتابه، أو المؤلفات التي نقلتْ عنه، وقبل كذلك جمع نسخ الكتاب الخطية للمقارنة بينها، والنسخة التي هي الغاية وتجبّ ما دونها نسخة المؤلف فهي الأصل الصريح لمراده.

وهذا ما أشار إليه الإمام الشعراني عند اشتغاله بنص ابن عربي (الفتوحات المكية) الذي تعرض لإضافات لم تكن من صنيع المؤلف، وقبل الوقوف على نسخة المؤلف شرع الشعراني في تهذيب النسخة الخطية التي وقف عليها، وكان مصرحا بذلك في (لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية) مختصر (الفتوحات المكية):

“وقد توقفت حال الاختصار في مواضع كثيرة منها لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة، فحذفتها من هذا المختصر. وربما سهوت فتتبعت ما في الكتاب كما وقع للبيضاوي مع الزمخشري. ثم لم أزل كذلك، أظن أن المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين محمد بن أبي الطيب المدني المتوفى سنة 955 فذاكرته في ذلك، فأخرج إلي نسخة من (الفتوحات) التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية. فلم أر فيها شيئا مما توقفت فيه وحذفته. فعلمتُ أن النُّسخ التي في مصر الآن، كلها كتبت من النسخة التي دسّوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة كما وقع له ذلك في كتاب: (الفصوص) وغيره.

وقد أطلعني الأخ الصالح السيد الشريف المدني على صورة ما رآه مكتوبا بخط الشيخ محيي الدين وغيره على النسخة التي وقفها الشيخ­­­ في قونية. وهو هذا: وقف محمد بن علي بن عربي الطائي هذا الكتاب على جميع المسلمين”.