9- مفتاح الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين لأبي الخير ابن الجزري (ت833هـ)

مفتاح الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين لأبي الخير ابن الجزري (ت833هـ)

شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف العمري الدمشقي الجزري الفقيه الشافعي الحافظ المحدث المقري المؤرخ المفسر البياني النحوي.

ولِد ابن الجزري بعد صلاة التراويح من ليلة السبت 25 من رمضان سنة 751 هـ داخل خط القصاعين بين السورين بمدينة دمشق وبها تفقه وطلب علم الحديث النبوي وبرز في علم القراءات.

طوّف ابن الجزري بحواضر العالم العربي والإسلامي فمن دمشق مسقط رأسه وموطنه إلى حواضر مصر من القاهرة والإسكندرية وجاور بمكة المكرمة وزيارة المدينة المنورة ودرّس ببيت المقدس، ودخل العراق واليمن وهراة وأصبهان، ونزل بورصة لدى السلطان بايزيد العثماني فأكرمه، وأخذه السلطان تيمورلنك إلى عاصمته مدينة سمرقند، وبعد وفاته انتقال منها إلى شيراز فولي قضاءها وكانت منيته بها قبل ظهر يوم الجمعة 5 ربيع الأول سنة 833 بمنزله ودفن بمدرسته.

يعد ابن الجزري من المكثرين من التصنيف والتأليف والنظم، ومن مؤلفاته: (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) و(غاية النهاية في طبقات القراء)، و(طيبة النشر في القراءات العشر) و(النشر في القراءات العشر)، و(الهداية إلى علوم الدراية)، و(المقدمة الجزرية).

ونالت مؤلفات ابن الجزري قبولا وانتشارا واسعا في حياته بين أعضاء مجتمع المعرفة وإلى يومنا هذا يترنم الطلبة بمنظوماته الفريدة، وينشغل الباحثون والعلماء بمؤلفاته القيمة بحثا ونقدا ودرسا وشرحا.

ويعد كتاب (مفتاح الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ) شرحا لكتابه (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) الذي وعد بشرحه عند تأليفه بمدرسته التي أنشأها بمدينة دمشق، وقد أوفى بذلك الوعد بعد أربعين سنة في مدرسته التي أنشأها بمدينة شيراز. وذلك لكونه انتهى من تأليف (الحصن الحصين) في سنة 791هـ، وأتم الشرح سنة 831هـ.

ويصدّر ابن الجزري شرحه بالتذكير بوعده بتأليفه ، وذكر مكانة المتن الذي يقول عنه “وسارت به الركبان في كل البلدان وكتب به من النسخ ما لا يحصى ولا يحصر”، والواقع يصدق قول ابن الجزري إلى اليوم فالنسخ الخطية لذلك المتن الشهير بلغت آلاف النسخ وانتشرت في أرجاء المعمورة، فلا تكاد تجد مكتبة للمخطوطات العربية وتخلو من نسخة أو عدة نسخ منه.

ومن الملامح المشتركة بين المتن والشرح التي يتبيّن منها معالم النشاط المعرفي عند ابن الجزري أن كِلا العملين قد ألفهما في مدرسة أنشأها، فمتن (الحصن الحصين) قد ألفه بمدرسة القرآن التي أنشأها برأس عقبة الكتاب بمدينة دمشق، وشرحه (مفتاح الحصن) قد ألفه بمدرسة القرآن والحديث بمدينة شيزار.

والملمح الثاني من النشاط المعرفي عند ابن الجزري هو حرصه على إرادف مؤلفاته بالإجازات العلمية وارتباطها بأسرته، فمتن (الحصن الحصين) قد خصّ فيه الإجازة لأبنائه: المحمدَين وأحمد وعلي وفاطمة وعائشة وسلمى وخديجة. وفي الشرح (مفتاح الحصن) خصّ فيه الإجازة لأبنائه وأحفاده.

وامتد هذا الملمح من مصاحبة أسرة ابن الجزري لنشاطه المعرفي ليشمل للإجازات العلمية التي عقدت في مجالس علمية لاحقة، ومن ذلك ما تجده من اصطحاب ابن الجزري لابنه وسميّه  أبي الخير محمد لمجلس السماع والمقابلة والمنعقد بالمسجد الأقصى سنة 797 للهجرة النبوية حسبما ورد بالقيد المدون بخاتمة نسخة نور عثمانية (تركيا) رقم (877)، الورقة (100ظ).

وفي ختام (مفتاح الحصن الحصين) يقول ابن الجزري: ” فرغت منه في يوم السبت العشرين من رمضان سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بمنزلي دار القرآن والحديث التي أنشأتها داخل مدينة شيراز المحروسة، وأجزت لأولادي وأحفادي الموجودين يومئذ روايته عني ورواية ما يجوز لي روايته، وكذلك أهل عصري”.