محمد عمارة: قلم بِنَصْلِ سَيْف

الرحيل عن الحياة سنة الله التي لا مهرب منها، إلا إليها، بيد أن هذه السنة تكون أكثر وجعًا وأشد إيلامًا عندما يكون الراحل من العلماء الذين يقبض العلم بقبضهم.

من هؤلاء ذاك الذي رحل عن دنيانا مؤخرًا (الجمعة 28 فبراير 2020م) الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

لم يكن عمارة عالمًا فحسب، بل كان عالم عمل وموقف، بلسانه، كما بقلمه، وإن نظرة على تراثه المكتوب الذي ترك (240 كتابًا) لتشير إلى (كَمٍّ) مما يحيل على غزارة الإنتاج، على أن الأهم هو (الكيف) الذي يحيل (بالثلث) على أنه كان يملك قلما هو أشبه بحسام خالد، قلمًا يحمل همًّا ساكنًا في قلبه وعقله معًا، هو الدفاع عن الإسلام وتراثه، ورجالاته وقضاياه في القديم والحديث، وفي تضاعيف ذلك يثير الأسئلة المصيرية، أسئلة الإسلام في خصوصياته الحضارية: منهجه ومصطلحاته وأفكاره ورؤيته، وفي قضاياه الراهنة: الصحوة والأزمة، والعلاقة مع الغرب، والنموذج الثقافي، وخطر العولمة على ثوابته، وفي قضاياه المستقبلية وإشكالات نهضته، وتجاذباته الفكرية مع العلمانية والماركسية، وغيرهما.

يبهرك عمارة برؤيته الواسعة، وتراثه المنفتح على المسائل التاريخية القديمة، والمنفتح في الوقت نفسه على أحدث التيارات الفكرية الغربية، ففي الوقت الذي يكتب فيه (المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية) يكتب أيضًا عن (الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانية)، وفي الوقت الذي يكتب فيه الدرس الأكاديمي الصرف (معالم المنهج الإسلامي) يكتب أيضًا (الحركات الإسلامية: رؤية نقدية) و(إسلامية الصراع حول القدس وفلسطين) و(الأقليات الدينية والقومية) وفي الوقت الذي يستدعي فيه رجال التراث: الغزالي وابن رشد تراه ينظر في جهود المحدثين: الكواكبي والمودودي والطهطاوي وعلي مبارك ومحمد عبده والأفغاني والسنهوري.

وفي الوقت الذي يقدم بحوثًا فكرية عميقة، ينهد لتحقيق نصوص تراثية عتيقة (رسائل العدل والتوحيد) و(كتاب الأموال لابن سلام).

رحم الله محمد عمارة، وعوَّض عنه التراث الإسلامي، وجزاه خير الجزاء على ما قدَّم من فكر منتم وموقف أصيل، وذود عن حياضٍ عكَّرتها الأقلام الضعيفة والأيدي المرتعشة.